spot_img

ذات صلة

جمع

هل نهاية للعولمة؟

الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم عندما فرض الرئيس الأمريكي "دونالد...

أنا أحب إذن أنا موجود: أو الفلسفة والفائض من الغرائز

بقلم الأستاذ: الأسعد الواعر أنا أحب إذن أنا موجود هو...

آنِي.. فِي كَنَفِ “الآنِي”

الكاتب والشاعر: شاهين السّافي يذكر أنها تلقت أغرب طلب...

“أهيم عشقا بأمّ القرى ” لجلال باباي: مراثي الخريطة…

رياض خليف تصفحت هذا العمل كثيرا، مقتفيا خطى كلمات الشاعر...

المجموعة الشعرية ( فكيف أطير بلا أجنحة ؟ ! ) سندس الرقيق

هذه المجموعة الشعرية  الموسومة ب ( فكيف أطير بلا أجنحة ؟ !  ) للشاعرة التونسية سندس الرقيق ، مجموعة تمتلئ أنوثة ، تفيض بنرجسية امرأة تعشق ذاتها – و هذا حق مشروع – و لعل أول ما يجبهنا عتبتها الأولى والمتمثلة في غلافها الذي يخيل إليك أنك تنظر إلى أنثى فاتنة بدل مجموعة مكتنزة أوراقا ، غلاف تتزاحم فيه ألوان مما يتبادر إليك أنك أمام علبة ماكياج لأحد الأميرات،       ولعلها كليوباترا التي لم تفارقها العناية بفتنتها حتى في أثناء مفارقتها الحياة ، هذا الحال من ذاك الحال.

والملاحظ على طغيان الأنثوية في غلاف المجموعة ؛ أن الشاعرة أنثى و دار الطبع أنثى و مصممة الغلاف أنثى، والوجهان في الغلاف وجهان يفيضان أنثوية وبامتياز.

إن العنوان هنا وبصفته تيمة يحوي صورة من صور تحدي الأنثى التي تريد أن تتحرر من طينتها التي جبلت عليها، وهي المشي، لكن الأنثى البارزة هنا تريد تحد من نوع آخر  ؛ طيران ليس من صنف طبيعة الطيور، طيران على بساط الريح ربما جريا على طريقة علاء الدين صاحب المصباح السحري ، أو السندباد الذي يستقل طائر العنقاء، غير أن الشاعرة هنا متورطة بتساؤل تولد عنه تعجب الحائر، تساؤل يمحو سمة التحدي بدءا ، فالتحدي يكون في صورة خبر وليس إنشاء استفهام، التحدي يكون صارما واضحا ب : ( أطير بلا أجنحة)، ويعضد الحيرة هنا أيضا صورة الوجهين اللذين يعكسان صورة الحيرة ؛ فالوجة الأول مفتوح العينين، والثاني بعكسه تماما مع وضع اليد التي تنبئ بصورة الذهاب في النوم، إذن هل تتحق أمنية الطيران من غير جناح في اليقظة أم في المنام ؟

إن العتبات الموالية لعتبة الغلاف أيضا فيها كثافة نرجسية عالية و ذلك في قول جلال الدين الرومي الذي انتخبته دون غيره من أقوال هذا الصوفي : « إذا كان كل شيء من حولك يبدو مظلما ، انظر مجددا ، فقد تكون أنت النور «،  و تتبدى أيضا في الإهداء : (إلى ذاتي التي احتضنتني  / إليك أيها الرجل الذي تحمل نزقي ) ، إذ لم تخرج عن حدود مركزية الذات التي بالغت في تبئيرها ، فذاتها منها وإليها و قد احتضنتها ، و لم تذكر الآخر إلا أنه تحمل نزق ذاتها ، ثم لم تحدد من هذا الرجل الآخر الخارج عن ذاتها ، المهم أنه رجل و انتهى ، وهو رجل مركزيته من مركزية تغذيته لذاتها التي تنشد الطيران بلا جناح، وفي مهادها الثاني بعد الإهداء بقت الشاعرة رافعة لراية الانتصار للأنثى « و يلبسني المعنى المسكوب مني ثوب مريم العذراء… و رابعة العدوية … و ثوب زليخة . «

هذه العتبات التي تجعلنا نلج روح نصوص هذه المجموعة مطمئنين على الأقل ، أن الغلاف بكل ما فيه رسالة نحو النصوص ، و ممهدا صديقا للمعنى ، فمن نصوصها الذي يحمل هذا المعنى ( كبرياء أنثى ) ؛ ففي الوقت الذي ترفع من ذات الأنثى تطعن في كبرياء الآخر  :

يا أيها الرجل العناء

ارجع لعقلك و التمس

مني الرجاء

من

قال إنك سيِّدٌ

من كبرياء

من قال

إني بانتظار قدومك الميمون

رتبت المقاعد و الشراشف

و افترشت لطيفك اللآتي

على خيل الغرور قصائد في المدح

كي تختال مفتخرا

على كل النساء     ص 80

و في النص نفسه تعلي كبرياء الأنثى تقول :

أنا هذه ال «بلقيس»

من سحرت سليمان النبي بصرحها لتصير زوجا

من سليل الأنبياء

أنا بنت مالك ( عبلة )

جعلت عنيترها يقبل سيفه

في الحرب إن لمعت عيوني

فوق سيف الاشتهاء    ص 82

   و انتصار هذه القصيدة للأنثى جعلها تحدث المفارقة التاريخية ؛ إذ جعلت من صرح سليمان لبلقيس ، و جعلت من عنترة بن شداد سيد الفوارس عنيترا .

و مما لمحته بشكل جلي في هذه المجموعة الشعرية للشاعرة سندس الرقيق ، أنها نصوص تشع بصوفية كبيرة ، جعلت الشاعرة تمارس من خلالها لعبة الخفاء و التجلي ، و لعل نصها ( امرأة من نور ودلال ) يشي بذلك :

أهنز بلا وعي

و ألملم ذاتي من كبوة أنثى

أثلمها الوجد و غابت

و ألملم هذا الشغف

و أذكر من أسفاري ولعا

عبر سطور الوجد

و بين أقانيم الوقت

ألبس ثوب الفتنة      ص 38  39

و في الختم و عودا على بدء إلى حيث الغلاف ، نجد صورة الشاعرة في خلفية الغلاف ، تجلس جلسة هادئة ، ترسل ابتسامة عذبة و تضع اليدين في صورة متشابكة ، تبدأ بغلاف تكسوه الأنثى جمالا ، و يختتم كذلك بصورة الواجهة لكنها باهتة هنا ؛ لأن الصورة الطاغية صورة المؤلفة ، و هي البؤرة المركزية .

spot_imgspot_img