
أجرى الحوار: طارق العمراوي
كيف تُقدمين الفنانة منى غريب؟
الدكتورة منى غريب هي فنانة تشكيلية مصرية نحاتة وخزّافة، وأستاذة جامعية تعمل بقسم النحت بكلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية. وُلدت في الإسكندرية عام 1984، وتخصصت في النحت الخزفي، حيث تمتلك بصمة فريدة تجمع بين الهوية المصرية والموضوعات المعاصرة، خاصةً قضايا المرأة. بدأت شغفها بالفن في سن 18 عامًا، وتدرجت أكاديميًا من البكالوريوس (2006) حتى حصولها على الدكتوراه (2014)، وشاركت في عشرات المعارض المحلية والدولية، وحصدت العديد من الجوائز في مجال النحت كما مثلت مصر في العديد من المحافل الدولية
لماذا النحت كشكل تعبيري لإحساسكم وسواكنكم؟
اختيار النحت الخزفي لـقدرته على تجسيد البصمة الأبدية رغم تحدياته التقنية ، فبعد تشكيل الطين، يخضع العمل للحريق الذي يُثبّت تأثر الفنان بالمادة إلى الأبد، دون وسيط.، كما أن طبيعة الخزف الهشّة – المعرّضة للكسر أو التشوه أثناء الحريق – يمثل تحديًا يقابله إصرار على التعبير عن عمق الأحاسيس التي يشعر بها الفنان وقدرة الخزف علي الحفاظ علي التراث الإنساني، مستلهمةً ذلك من قطع الأوستراكا بقايا الفخار التاريخية التي حفظت تاريخ الحضارات ، هذا التفاعل بين خامة الطين والفنان يجعل الخزف هو الوسيلة الأمثل لتسجيل ذكرياتي ومشاعري وأفكاري والقدرة علي التعبير عن المتناقضات في نفس الإنسان تماما كما في مادة الطين التي تمتلك الهشاشة والقوة معًا
كيف حضر ثالوث “المرأة والحروف والألوان في أعمالكم، وما أبعاده؟
يظهر هذا الثالوث في أعمالي كنسيج جمالي وثقافي متكامل حيث تمثّل المرأة البطل والمحور الأساسي في أعمالي مستخدمة إياها للتعبير عن ذاتي في معظم الوقت او كرمز للجمال والأنوثة والتعبير عن الهوية المصرية كما في معرض قوة المرأة 2015 ومعرض عرائس التي تدمج بين الأشكال التراثية وشكل المرأة المعاصرة.
2 الحروف: تعتبر الحروفية أو استخدام الكتابات على أسطح الأعمال هو محور هام من أسلوبي الفني حيث أستخدم الحروف والكلمات لتسجيل خواطري الخاصة مستخدمة أسطح أعمالي كصحيفة أسجل عليها مشاعري وتأكيدا لفكرة العمل ذاته ومكملة لها بصريا مما يوسع مفهوم العمل الفني ليتجاوز ابعادا أخرى تقيده في الشكل الجمالي فقط
. 3الألوان : تأتي إضافة الألوان للأعمال بغرض تأكيد وإبراز قيمتها الجمالية كما أن الألوان في فن الخزف هي ليست مجرد إضافة بل هي تجربة كاملة ودراسة متعمقة لكيمياء المواد الخزفية مما يضيف متعة إضافية وروح مغامرة للفنان حيث يصبح كل عمل بالنسبة له تحدي محفوف بالمفاجئات الثالوث : يُعد الرقم ٣ من أكثر الأرقام رمزيةً وتكرارًا عبر الحضارات والفنون، وفي الفنون التشكيلية يحمل دلالات عميقة تتجاوز كونه مجرد عدد فهو يمثل القداسة والكمال الروحي في العديد من الديانات المختلفة كما يمثل التوازن والانسجام البصري حيث أن المثلث يمثل أبسط شكل ثلاثي له توازنًا ديناميكيًّا دون جمود، وقد استخدمت الثالوث أو الأعمال الثلاثية الأجزاء للتعبير عن دورة الحياة والتحوّل حيث للحياة ثلاثة مراحل هي الميلاد-الحياة-الموت، وأحيانًا أعبّر عن الإنسان ذاته والذي هو عبارة عن ثالوث يتكون من روح، جسد، عقل.
هل تجدين نفسك في خط تواصلي مع نحّاتي مصر القديمة؟ وما حدود التجاوز والإضافة؟
نعم فأنا أستلهم من روح التراث المصري القديم لكن بإطار معاصر حيث أستعيد بعض الرموزً القديمة كما في مجموعة عرائس ولكن أقوم بإعادة صياغتها لتعكس تحديات المرأة المعاصرة ، كما أن هناك تواصل من الناحية التقنية حيث استخدام الطين المحروق أو فن الخزف بشكل عام والذي كان من أهم الفنون في المصري القديم لكنني أقوم بدمج بعض التقنيات وطرق العرض الحديثة كالتجهيز في الفراغ والتركيبات الفنية متعددة الخامات حيث أن تجربتي الفنية تعتمد علي الحافظ على جذوري الحضارية مع إدخال مفاهيم معاصرة تحول أعمالي من مجرد من قطعة زخرفية إلى عمل فكري نقدي
ما أهمّ المدارس والفنانين الذين أثّروا في تجربتكم؟
في الحقيقة أنا لا أنتمي لمدرسة فنية محددة ولا أضع نفسي في إطار يتبع قواعد تشكيلية او لونية
أما الفنانين الذين تأثرت بهم فكان هو أستاذي د/ جابر حجازي وهو من رواد فن النحت المصري المعاصر والذي كان له تأثير مباشر على تجربتي الفنية من خلال تدريبي المبكر معه، كما تأثرت أيضا بالفنان النحات المصري د/ أحمد عبد الوهاب والذي قام بالتدريس لي أيضا خلال دراستي بكلية الفنون الجميلة
هل هناك حركة نقدية وجوائز تدعم النحت الخزفي في مصر والعالم العربي؟
نعم ، لكن بوتيرة متنامية فرغم ندرة النقد المتخصص، يُلاحظ اهتمام مؤسسات مثل قطاع الفنون التشكيلية المصري الذي ينظم صالونات نوعية كصالون الخزف الأول 2022 والذي شاركت فيه وأكد أنه وسّع مفهوم الخزف كفن مستقل ، أما عن الجوائز والملتقيات فهناك العديد من الجوائز المتخصصة التي أصبحت تمنح لكل مجال علي حدي ومنها مجال النحت الخزفي والذي أصبح له جوائز خاصة به ، أما الملتقيات فقد قمت بالمشاركة في العديد من الملتقيات الدولية ممثلة لدولة مصر وعن مجال النحت الخزفي أذكر منها بينالي البحر المتوسط بتونس 2008، و ملتقى (القصبة) بالمغرب 2014 ، وملتقى (جربة) بتونس 2018 ، بينالي تايوان للخزف 2018 ، بينالي الخزف الدولي 2021 ، كذلك ملتقي تطوان بالمغرب 2019،
ما أهمّ المعارض التي قدّمتموها؟
معرص أسفار التكوين 2018قاعة الفنون الجميلة الاسكندرية ومعرض عرائس 2021قاعة الفنون الجميلة الاسكندرية ومراحل جاليري نوت الزمالك 2021وعالم موازي كلية الفنون الجميلة2022 وأنا مصرية قاعة الباب سليم متحف الفن المصري الحديث 2023الذي ركز على الهوية المصرية عبر منحوتات خزفية للمرأة والمشاركات الجماعية بينالي البحر الابيض المتوسط بتونس2008 وملتقى القصة بالمغرب
ما مشاريعكم الفنية المستقبلية؟ –
أسعى للتعمق بتجارب أكثر في فن الخزف كوسيط للتعبير عن القضايا اجتماعية وفلسفية خاصةً دور المرأة المصرية في الحفاظ على التراث. كما أسعى للتوسع دوليًا عبر المشاركة في معارض دولية جديدة. كما أتطلع للدمج بين التقنيات والخامات المختلفة بغرض استكشاف إمكانيات الخامات المختلطة لخلق لغة بصرية أكثر تعقيدًا
هل ساهمت الأدوات والآلات الحديثة في التقدم بعمل النحات عبر ابراز جزئيات تفصيلية للمنحوتة
الأدوات الحديثة ساهمت بشكل لا يُنكر في دقة التنفيذ وتوسيع إمكانيات النحت، خاصة في تنفيذ الأعمال الكبيرة أو ذات الطابع التقني، ومع ذلك تبقى الروح الإبداعية للنحات وقدرته على توظيف هذه الأدوات لخدمة الرؤية الفنية هي العامل الحاسم، وبالنسبة لتجربتي فأنا أفضل استخدام الأدوات البسيطة عن الادوات الأكثر تعقيدا فأنا أفضل أن تكون بصمتي الخاصة على الأعمال حيث من وجهة نظري الخاصة أفضل كل ما هو إنساني عن ما هو آلي
الثقافة الشعبية وعرائسها جدلية المنطلق كمادة وفكرة والذاتي كنحت فني تصوّري حديث
تُعد العرائس والأشكال الشعبية التراثية رموزاً ثقافية تحمي الهوية الثقافية في الكثير من الدول والبلاد ومنها “مصر ” وذلك حيث إنها تحمي الثقافات المحلية من محاولات التفتيت والإلغاء بفعل العولمة، التي تسعى لفرض نموذج ثقافي أحادي. والعرائس التقليدية الشعبية مثل (عروسة المولد، عروسة النيل) تقدم رموزاً بصرية مصرية قابلة لإعادة التفسير عبر الخامات المتعددة ومن خلال أنواع الفن المختلفة منها فن النحت الخزفي وذلك لتعكس رؤية فلسفية جديدة للحياة والتراث ، ومن وجهة نظري أنه من خلال فن النحت الخزفي يمكن إعادة إحياء هذه الرموز للحصول على فنّ قوميّ مصريّ يعبّر عن الأصالة والهوية من خلال تحويل التراث من ذاكرة غائبة إلى حاضر حي عبر تجسيدها في هيئة منحوتات خزفية تثير جدلية خلاقة بين الماضي والمستقبل، دون إسقاطه في فخ الاستهلاك التجاري.