spot_img

ذات صلة

جمع

“جبرا إبراهيم جبرا” و”البحث عن وليد مسعود”

الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم تعود القراء على قراءة الشعر...

الرمزي في قصة ” في ليلة عاصفة” للفلسطينية عبلة فواز إبراهيم

رياض خليف د عبلة فواز إبراهيم روائيّة وقاصّة فلسطينيّة، طبيبة...

أيتها الحمير… شكراً اعتذار تاريخي

بقلم الأديب الفلسطيني خالد جمعة الحمارُ أكثر من مجرد حيوان...

تقديم المجموعة الشعريّة Le Navire du Délire للشاعرة جودة بلغيث والمترجمة نجاة البكري

بقلم الأستاذة حبيبة عدّاد التقديمLe Navire du Délireمجموعة شعرّية...

الرمزي في قصة ” في ليلة عاصفة” للفلسطينية عبلة فواز إبراهيم

رياض خليف

د عبلة فواز إبراهيم روائيّة وقاصّة فلسطينيّة، طبيبة في جنين، متخرجة من كلية الطب بصفاقس، تواصل نحت تجربتها الأدبيّة والمساهمة بالسرد والحكاية في التعبير عما يجول في الذات الفلسطينيّة من هواجس وأفكار، وقد سبق لها أن أصدرت مجنون حيفا (مجموهة قصصيّة) ومنفى الياسمين (رواية)، وقد جاءت قصتها الأخيرة “في ليلة عاصفة”، الفائزة بالجائزة الأولى لجائزة يوسف ـإدريس العربيّة، منضوية تحت أفق هذه التجربة، محافظة على أسس الكتابة الفصصيّة، منطلقة من الواقع اليومي نحو عالم رمزي تشيده باقتدار ودقّة.

في تشكيل القصّة:

يبدو تشكيل القصّة فنيا في مجمله وفيّا للنموذج السردي المألوف عربيّا لكنّه مطعّم ببعض الأساليب المعاصرة وهو ما نتوقف عند بعض جوانبه في ملاحظات عابرة:

* الرؤية السردية:

جمعت الكاتبة بين السرد بضمير المتكلم في النصف الأول من القصة والسرد الخارجي في القسم الأخير، فالساردة شخصية مشاركة تستعمل ضمير المتكلم وتنسب الأفعال والأشياء لهاعلى غرار ما يبدو في الأمثلة:

” قفزت قطتي مذعورة حين داهمتنا العاصفة…” أو “زحفت متدحرجة نحو الباب…”

لكن هذا الصوت وهو صوت الساردة الشخصية يسكت ليستأنف السارد الخارجي الحكي متّخذا الرؤية من خلف.

” صمتت الطرقات عن الجزء السفلي من الباب…”

انطلاقا من هذه الجملة تحوّل نظام السرد وولج السارد الخارجي المتابع عوالم السرد وهو ما ينعكس على سير القصة فتتغير صيغ أفعالها وسردها ويحضر ضمير الغائب.

ومما لا شكّ فيه أنّ تنويع وجهة النظر من الرؤية الداخلية إلى الخارجيّة يعتبر جهدا جماليا لافتا للانتباه، وهو يرتبط أيضا بسير أحداث القصّة.

*زمن السرد…زمن الأحداث

تختار الكاتبة العاصفة إطارا زمنيا للأحداث، فيهتز بيت الساردة وتغمره المياه، فتحاول الهروب والاستنجاد بأخيها الذي رفض أن يقتح لها الباب متعللا بوصية أمه، فباتت ليلتها خارج البيت حتى قتلها البرد…

تنقسم القصة زمانيا إلى ثلاث وحدات، فهي تنطلق في الليل وتمر بالفجر ثم العصر… لقد كانت البداية ليلا:

“في غفلة من ليلنا الغائر “

ثم انتقلت الكاتبة إلى الفجر:

” إنسدل الليل عن وجه الفجر الرمادي ونشبت حيوط الشمس الدامية بحمرة النار في البيوت المتهتكة…”

ثم مرحلة النهاية:

” بعد الزوا ل تناوب خمسة شبان يوزعون القهوة السادة والنمر والمصاحف…”

والمتأمل في نظام الزمن يسجل التزام الكاتبة بالنظام الثلاثي التقليدي وبمفهوم الوحدة الزمنية فالقصة القصيرة لحظة خاطفة ولا تحتمل زمنا كثيرا وهو ما نجحت الكاتبة في تحقيقه. وقد جاء السرد متتابعا وخطيا في مجمله، ولعلّه يمكننا الحديث عن تطابق ترتيب زمن الأحداث وزمن السرد، فالكاتبة قادتنا من بداية الأحداث إلى نهايتها، منطلقة من لحظة المفاجأة التي تشكل عادة الحدث القادح.” في غفلة من ليلنا الغائر في صقيع الزمن المنسي، قفزت قطتي مذعورة حين داهمتنا العاصفة…”

هذا المقطع الذي افتتحت به القصة يضعنا أمام لحظة المفاجأة، ولعل مفردتي “في غفلة “و”داهمتنا ” تحيل على هذا الحدث المفاجئ.

وتنتهي القصة بالطقوس الجنائزية منفتحة على المستقبل

وقبل أن يصافح جموع المعزين أقسم أن يشهر قبرها بشاهدة كبيرة ويزرع لها شجرة زيتون ونخلة… “

تبدو هذه النهاية مفتوحة على المستقبل بما يجعل لحظة النهاية وهي لحظة التنوير لحظة اعتذار عن الأمس ووعد بالوفاء في المستقبل. فالأخ الذي فوجئ بالوفاة وربما كان مساهما فيها بسبب عدم نجدته لها يعلن حزنه وحداده ووفاءه، ولكن ما بين لحظة البداية والنهاية أو التنوير نجد حوارا بين الأخ وأخته، فهي تدعوه لنجدتها وحمايتها من الماء والبرد ولكنه رفض…

*الشخصيات:

ركزت الكاتبة على شخصيتين بالأساس مع وجود شخصيات عرضية.

الأخت الهاربة من العاصفة الباحثة عن الأمان وأخوها.

كانت تستجديه وتطالب بتدخله لفتح الباب: ” افتح لي با ابن أمي/ أدركني يا أخي”

ولكن الأخ رفض ولم يتأثر لذلك يأتي وصف الكاتبة لوجومه وتحجره:

” كان الأخ جامدا كصنم عملاق تنكشف ملامحه الحجرية المتباينة لرقصات القنديل المحتضر… وجه متحجر بلا أدمية وعينان لا ترمشان ويدان منسيتان فوق أكتاف الطفلين…”

هذا الوجه المتجهم ينهار في نهاية القصة

” يقف الأخ عابسا باكيا لوصية أمه وقبل أن يصافح جموع المعزين أقسم أن يشهر قبرها بشاهدة كبيرة ويزرع لها شجرة زيتون ونخلة…”

هكذا تبدو شخصيات القصة متحولة، في مصيرها وفي علاقاتها مع بعضها. فالأخت تتحول من الحياة إلى الموت والأخ من اللامبالاة بها إلى التأثر والإحساس بالذنب الذي يجب أن يسدّد… ولعلّ هذه القصّة التي تأخذ ملامح واقعيّة تبدو حاملة لإيحاءات كثيرة تغري بالبحث عن عالمها الرمزي.

2 في رمزية القصّة:

لعلّ ما لفت انتباهي أكثر في هذه القصّة ما فيها من أبعاد رمزيّة. فعبلة فواز إبراهيم المنخرطة في الكتابة الفلسطينيّة المقاومة مثلما تؤكد ذلك مجموعتها القصصية الأولى مجنون حيفا، لا تترك في هذا النص الوجع الفلسطيني. هكذا خمنت وأنا أفكر في هذه القصة، متذكرا ما كتبه توفيق بكار عن العاصفة صاهباء التي اعترضت غيلان في سد المسعدي، معتبرا إياها تلك القوى المحتلة التي تربصت بأمتنا العربيّة طويلا، وهاهي العاصفة تعود في هذه القصّة لتمارس فعلها وقتلها.

ليست العاصفة غير تشبيه لليلة من ليالي الشعب الفلسطيني ليالي الحرب والقتل التي تهدم بيوت الناس وتأخذ أحبابهم وهذا ما فعلته العاصفة التي اجتاحت البيوت. وأما هذا الأخ اللا مبالي الذي لا يتحرّك، ولا يردّ الفعل ولا ينجد أخته ويكتفي بالحزن والبكاء بعد فوات الأوان فهو نسخة من العرب الذين يتفرّجون على المأساة الفلسطينيّة. ولعلّي أزعم في هذا المستوى أن الكاتبة ترمز بالأخت والأخ إلى فلسطين والعرب الذين تجمعهم أمّة واحدة.

وتطلّ ميمونة صاحبة خطاب اليأس والإحباط وزارعة العجز في نفسية غيلان بطل السد أيضا في هذه القصة، يحيلنا عليها خطاب الزوجة الموجه إلى زوجها:

” أنت مخير أما أختك وأما ولديك. إن فتحت الباب سيخلع وتنفجر الشبابيك ويقذفنا الإعصار إلى الجحيم… سنموت جميعا. هذا الطوفان يلتهم البيوت بساكنيها، ان لم تجرفنا السيول وتسحقنا الألواح والخزانات ستطيرنا الريح، فكر بعقلك… “

إنّه صوت ميمونة السد يعود في هذه القصّة، فهو صوت الخذلان والخوف وهو الصوت الذي مثلته شخصيّة الزوجة التي دعت الأخ إلى ترك الأخت وشأنها حفاظا على مصلحة البيت. هذا الخطاب الذي يكبّل الأخ ويبث فيه العجز هو نفسه الخطاب الذي يكبل الأخ العربي ويزرع فيه الخوف، حفاظا على البيت المتداعي، القطر المنهك الذي لا يحتمل حربا…

وللنهاية أيضا دلالاتها:

” …أقسم أن يشهر قبرها بشاهدة كبيرة ويزرع لها شجرة زيتون ونخلة وأن يحزن مرتديا السواد لأخر العمر وأن يقتني بندقية ليقتل كل قط يموء…”

هذه النهاية ذات شبه واقعي لكنها في هذه القصة تحمل رمزية فالزيتون والنخلة والبندقية مفردات تحيل على فلسطين لكن الحملة الأخيرة حول مقاتلة القطط تبدو ساخرة من الوضع العربي المستسلم.

هكذا تبدو هذه القصة المؤلمة لا قصّة الأخت والأخ المتخاذل لكنّها تبدو أبعد من ذلك، فهي قصّة فلسطين وإخوتها… قصّة ذلك الانتظار الفلسطيني الذي لم يتحقق عقودا…

spot_imgspot_img