
بقلم الأديب الفلسطيني خالد جمعة
الحمارُ أكثر من مجرد حيوان في الثقافات البشرية، ورغم أن الدراسات تقول الكثير عن ذكائه وقدراته، إلا أنه ما زال مرتبطاً بأفكار نمطية عن الغباء والعناد، فيما حمل أحد الخلفاء الأمويين لقب “الحمار” لشدة صبره، وحملت أول رواية معروفة في التاريخ اسمه “الحمار الذهبي” للوكيوس أبوليوس، المكتوبة عام 162 ميلادية.
جمعه حمير وأحمرة، وأنثاه حمارة أو أتان، وصغيره جحش، وكنيته أبو صابر، ويقال للحمارة أم نافع، وأم تولب، وأم جحش، وأم وهب، وصوتها يسمى نهيقاً، وتحمل الأنثى جنينها 11 شهراً، ويعيش الحمار 40 عاماً في المتوسط، ويمكنه تحمل 30% من وزنه في الأحمال، ويوجد في العالم حالياً ما يقارب 44 مليون حمار.
للحمار عدة أنواع: الأهلي والأثيوبي “الصومالي”، والأمريكي، والقبرصي، وحمار الأبيض المتوسط، وحمار البواتو الفرنسي، إضافة إلى الحمير الوحشية بأنواعها.
الحمار معروف منذ 12 ألف سنة، حسب كتاب التاريخ الطبيعي لكلوتون بروك، ووجد لأول مرة في القرن الأفريقي، وأصبح أهم أدوات الحضارات القديمة، وسميت دمشق التجارية القديمة بمدينة الحمير في الكتابات المسمارية.
اقترن عند اليونانيين بإله الخمر ديونيسيوس، وقدسه الرومان أيضاً، وقد كان دليل البشرية في الطرقات الوعرة حتى بدايات القرن العشرين، إذ من المعروف علمياً أنه يسلك أقصر الطرق الممكنة بين نقطتين، ويكفيه المرور في الطريق مرة واحدة ليحفظها، ويعود منها حتى لو لم يكن صاحبه معه، وهذه الميزة تجعله صديقا المهربين عبر الجبال.
يستعمل الحمار غريزته الطبيعية للبقاء، لذا فمن الصعب تهديده أو إرغامه على فعل شيء ضد رغبته، لذا كانت هذه السمعة التي انتشرت حوله بأنه عنيد، لكنه يظهر ففي الدراسات العلمية ذكيا، حذرا، حميميا، لعوبا، ومتعلما متحمسا، وبالتجربة، إذا وضع مهر جوار حمار وحصان، فسيتوجه للحمار بعد أن يبتعد عن أمه الفرس.
استعملت في نقل المعدات في الحروب، وخلد اسمها في تمثال لجون كيركباتريك سيمسون مع حماره الذي أنقذ به العديد من الجنود في الحرب العالمية الأولى، كما أثبت خبراء صينيون أن جلود الحمير يمكن أن يستخلص منها عقاقير ومنشطات دون أية آثار جانبية.
تعتبر كلمة حمار في الشرق شتيمة، أما في الغرب فتعبير عن العمل المضني “دونكي وورك”، وفي اليونان تعبر عن شخص وقح.
في مصر القديمة صور الإله ست، إله الصحراء والعدم بشكل حمار، وكرم في الحضارة اليونانية، وفي العهد القديم والتاريخ اليهودي، سمي ملك شخيم (نابلس) والذي مات على يد أولاد يعقوب، حامور، كنوع من التقدير، ودلالة على أن الحمار أخذ نظرة ذات قيمة عالية قديما، وغالبا ما تم تصوير المسيح راكبا حمارا، وهو شعار الحزب الديمقراطي الأمريكي، ويعتبر يوم السادس من أكتوبر في التقويم الفرنسي “يوم الحمار”، وقد كانت أذنا الحمار رمزا للحكمة والمعرفة في بلاد ما بين النهرين.
- جاء هذا النصّ في تفاعل الكاتب خالد جمعة مع منشور دوّنه صديقه ناصر رباح على صفحة الفايسبوك الخاصة به في اشادة بدور الحمير خلال هذه الحرب الضروس الّتي يحمل أوزارها سكان قطاع غزّة منذ السّابع من أكتوبر ، 2023:» لقد قامت الحمير بعمل جليل ومهم خلال العدوان على غزة، حيث رافقت النازحين من الشمال والجنوب، وعملت على نقل الركاب حين تعذرت وسائل النقل الأخرى، وخاضت بحوافرها في الطرقات الموحلة، والغارقة في مياه الصرف الصحّي، وكابدت عناء التنقّل في الشوارع المزدحمة، كما تحمّلت صراخ الأطفال وهم ينادون على المارة لإفساح الطريق: ظهرك…ظهرك!! دون أن نغفل عن العطش وندرة الشعير، تحملوا أيضا لسعات الشمس وقشعريرة الليالي الباردة.”