spot_img

ذات صلة

جمع

هل نهاية للعولمة؟

الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم عندما فرض الرئيس الأمريكي "دونالد...

أنا أحب إذن أنا موجود: أو الفلسفة والفائض من الغرائز

بقلم الأستاذ: الأسعد الواعر أنا أحب إذن أنا موجود هو...

آنِي.. فِي كَنَفِ “الآنِي”

الكاتب والشاعر: شاهين السّافي يذكر أنها تلقت أغرب طلب...

“أهيم عشقا بأمّ القرى ” لجلال باباي: مراثي الخريطة…

رياض خليف تصفحت هذا العمل كثيرا، مقتفيا خطى كلمات الشاعر...

الشاعر حسن عبد راضي: القصيدة العربية في مفترق طرق.. والشغف بالكلمة هو منقذي الأول

إعداد سعدية بنسالم

حسن عبد راضي، صوت عميق، وشاعر مجيد وباحث جادّ يطلّ علينا من العزيزة العراق، هو صديق المشهد الثقافي التونسي، سبق وشارك في تظاهرات ثقافية وأكاديمية متنوّعة وهو الباحث الذي تناط بعهدته إدارة مجلّة المورد العريقةـ ينزل ضيفا على صفحات “منارات الرقمية” في حوا يأتي فيه على مشاغله الإبداعية والبحثيّة.

  • الأستاذ والشاعر حسن عبد راضي، كيف يقدّم نفسه لمتابعي “منارات”

   لطالما رأيتني طفلا يدهشه “ميكانو” الكلمات، فيجد في تركيبها – على هيآت جديدة غير التي عرفها- متعة وشغفا، ثم شابا أصبحت الكتابة هاجسه ورفيقه الدائم ورسوله إلى عالم الحب والعاطفة، ثم بعد النضج وجدتُني شاعرا أعلي من شأن الكلمة، وأعتقد بأنَّ لها أبعادًا نفسية وثقافية واجتماعية، ولهذا فهي بالغة القوة والتأثير. إنني باختصار شاعر شُغف بالشعر، ودخل من نافذته إلى عالم الأدب برمته، مثلما يدخل طفل إلى محل هدايا في ليلة عيد.

  • يتراجع الإقبال على قراءة الإبداع الأدبي، في الوطن العربي، وتشكو دور النشر من تقلّص قرّاء الشعر خاصّة، كيف يمكن أن يعيد الشاعر أو الأديب القارئ إلى الكتاب؟

   أتفق كثيرا على أننا متراجعون كثيرا في قضية الإقبال على القراءة وتعاطي الكتب، وتبدو هذه المسألة عسيرة على المبدع وحده، إنها مسؤولية كبرى يجب أن تضطلع بها مؤسسات كبرى من دولنا، وتتضامن على حل إشكالياتها فعاليات اجتماعية ودينية وثقافية. نحن نعاني من مستويات مركبة ومرعبة من الأمية، وهذه مشكلة لا يمكن للمثقف وحده أن يواجهها، هذا فضلا عن حلول الأجهزة اللوحية والألعاب والمغريات الألكترونية محل الكتب والمجلات ومظان المعرفة كلها، وأرى أن من المحال أن نعكس حركة التأريخ، فالكتاب الورقي في سبيله إلى الانقراض، جرّاء شيوع الكتاب الألكتروني والقارئ الألكتروني، هذا وإن هذا المجال داخلته الرأسمالية بقوة، فهو أحد قنواتها اليوم، وما علينا سوى أن نستثمر في الواقع القائم بما يخدم مجتمعاتنا وأن نشجع على القراءة والنشر بكل صيغه واقتراحاته، وألّا نتطير من كل ما يأتي من التكنولوجيا.

-شهدت القصيدة العربيّة تحوّلات عميقة في فترات ما أثارت بها الانتباه ودفعت القارئ إلى اكتشافها (منذ ظهور الشعر الحرّ)، هل تعتقد أنّ القصيدة اليوم وصلت  أفقا مسدودا؟

لا يمكن القطع بوصول القصيدة العربية اليوم إلى أفق مسدود، لكن قراءة حصيفة لواقع الشعر تشير إلى أن الشعر العربي في أزمة، رغم ظاهره البرّاق، إذ يمكن للناظر من بعيد أن يرى “مهرجانات” شعرية كبيرة وصغيرة في عموم العالم العربي، وبرامج يتابعها ملايين المشاهدين، ناهيك عن الجوائز السخية، لكن هذا الوجه هو ما تريده المنظومة الرأسمالية أن يظهر، أما الوجه الحقيقي فهو الانصراف الكبير عن الاهتمام بالشعر وقضاياه على نحو جدي من لدن الجمهور. في العصور الذهبية للشعر كان هو النجم الأول، ويأتي بعده أي فن آخر، أما اليوم فقد أزيح عن صدارة اهتمامات القراء، وصار يتوسط القائمة أو يتذيلها أحيانا. قد يقول قائل إن معنى ذلك أن القارئ العربي قد تطورت اهتماماته، وأصبح يقرأ في فروع مختلفة من المعرفة ولا يقصر عنايته على الشعر، ونقول نعم هذا وارد، بحكم التدفق الثقافي الكبير الحاصل في فروع العلم والأدب والفلسفة وغيرها من المعارف، لكن بلحاظ هوية هذه الأمة المقترنة بالشعر منذ أقدم العصور – وذلك ليس عيبا كما قد يُصوّر- فإن تراجع منزلة الشعر يبدو تحولا جديرا بالنظر والدرس، لمعرفة الأسباب واستشراف النتائج.

  • استدعى الشاعر حسن عبد راضي الأسطورة والتاريخ في ديوانه الأخير، عزلة المبني للمجهول، ما العوالم التي ينحت منها حسن عبد راضي عالمه الإبداعي الشعري وكيف ينتقيها؟

تمتح تجربتي من كل مصادرها المتاحة. كل القراءات والمعارف والخبرات التي يكتسبها الشاعر هي مادة خام لأي عمل أدبي أو شعري، ولسنا بِدعا من أسلافنا، فلقد جنحوا إلى الحكايات والأساطير والخرافات والأمثال والقصص الشعبي وغير ذلك مما يثري نصوصهم، وهكذا فعلنا ونفعل.. الجديد والمختلف يتجلى في الأسلوب وفي تطويع العناصر وإدماجها في كيمياء مختلفة وحساسية جديدة.

في عالم طغت عليه الصورة كيف يمكن للأدب أن يساير الواقع اليوم؟

يَحسُن بالأدب عامة والشعر خاصة أن يجدا الوسائل التي تجعلهما يواكبان التحولات السريعة في عالم اليوم، ومنها أن العالم كما قيلَ منذ بداية الألفية أصبح “عالم صورة” وكأن من اقترح هذا المصطلح أراده أن يكون في قبال “عالم الكلمة” الذي يمكن وسم العالم القديم به منذ فجر التاريخ حتى نهاية الألفية الثانية. حسنا يمكن أن نبشر بأن عالم الصورة في طريقه إلى التداعي والانهيار، لم تعد الصورة وثيقة موثوقة، صار التلاعب بها ميسورا ومتاحا لكل من يرغب في ذلك، فبوسع المرء أن يشاهد زعيما كهتلر لا تخطئه العين وهو يغني أغنية لشعبان عبد الرحيم مثلا، أو زعماء دول عظمى بحذافيرهم يتراشقون بقشور البطيخ. كل ذلك صار الذكاء الاصطناعي يفعله مغمض العينين.. فما الذي بقي؟ بقي أن هذه السيرورة المرعبة من التصاعد السريع للأشياء قد تخفي وراءها انحدارا مرعبا أيضا للحضارة، وانحطاطا لم تشهده من قبل.

لذلك أرى أن ينفتح الأدب على الاحتمالات كلها، ومثلما سبق له أن أفاد من تحولات تاريخية كبرى كالثورة الصناعية فأخذ منها الطباعة، وكاختراع الحاسوب وملحقاته فأفاد منها أيضاً، فلا بد إذن من الإفادة من هذه القفزة الكبيرة على نحو ما، وهو أمر لا يقرره شخص بعينه، بل سيترشح عن عدد هائل من الخطوات في طرق مختلفة ومتضادة أحيانا، وحوارات وسجالات وأخذ وردّ.

-يدير الأستاذ حسن عبد راضي مجلّة المورد العريقة التي كانت تصل مختلف البلاد العربيّة، كيف تجد إقبال الباحثين العرب على النشر العلمي، كمّا وكيف؟

منذ تسلّمي رئاسة تحرير مجلة المورد قبل نحو من ثلاث سنين، وأنا أرى الإقبال من لدن الباحثين يزداد يوما بعد آخر، فالمورد العريقة لها تأريخ طويل من الإنجازات على صعيد البحث العلمي العربي المتعلق بالتراث، ولها منزلة سامية في قلوب الباحثين من أصقاع العالم كله، لا العالم العربي وحده. ولذلك لا يكاد يوجد لدينا إصدار من المجلة يخلو من أسماء باحثين عرب وبنسبة لا بأس بها قد تصل أحيانا إلى النصف، هذا بلحاظ أن المجلة محكمة وتتلقى بحوث الترقيات العلمية من عموم الباحثين العراقيين والعرب.

– الأستاذ حسن عبد راضي باحث أكاديميّ فضلا عن كونه شاعرا، كيف تقيّم البحث العلمي في البلاد العربيّة؟ وهل من الضروري أن يوجد تعاون عربيّ-عربيّ أكاديميّا؟

أجد البحث العلمي العربي يسير بخطى حثيثة نحو التقدم وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ مما يسير به البحث العلمي في العالم المتقدم، ونشهد إنجازات متفرقة هنا وهناك، لكن ما يقعد به عن التطور أنه ما يزال عملا غير جماعي ولا منسق.

إن نظرة إلى تاريخ العلم في أوروبا على سبيل المثال تعطينا صورة للكيفية التي اتسقت بها كل النظريات في شتى العلوم الفنون والآداب، وكيف أعطيت الفرصة لكل تخصص أن ينمو ويزدهر بمصاحبة التخصصات الأخرى، الفيزياء لم تزاحم الفلك بل عضدته، والكيمياء لم تصطدم بالتكنولوجيا الصناعية بل خدمتها، وهكذا.

ما نحتاجه في عالمنا العربي تعاضد وتماسك وتنسيق في العلوم وفي السياسة وفي الاقتصاد.. لا نهضة من دون حرية فكر وإخلاص علمي ورعاية مؤسسية للباحثين والعلماء، وهذا غير متحقق حتى الآن، إلا على نحو فردي.

أما في ما يتعلق بالعلوم الإنسانية، فأرى أن البحث العلمي فيها ممتاز، غير أن ثمة غلوا في تقديس الأطروحة الغربية، إذ أرى الباحثين العرب يتعاملون مع أي رأي علمي غربي على أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يجرؤون في الغالب على معارضته، إلا إذا عارضه أحد من نسخه (أي باحث غربي) فمعظم من يكتبون في علوم اللسان الحديثة وفي البنيوية والمناهج النقدية المعاصرة يلوكون مقولات غيرهم، ويندر أن تجد مقولاتهم هم.

يشهد الواقع العربي، سياسيا وجغرافيّا، تحوّلات متسارعة وخطيرة، أين الأدب والشعر من ذلك؟

   ما يزال دور الأدب والشعر من كل ما جرى ويجري خجولا، فثمة تراجيديا حقيقية تحدث الآن في غزة ولبنان واليمن، وهي مستمرة بالحدوث، وثمة مؤامرات تُحاك للإطاحة بهذه الأمة بلدا بلدا وشعبا فشعبا، ولم نجد بعدُ أولئك المثقفين النبويين الذين يستنهضون الوعي العام، ويبصرون الجماهير العربية بما يراد بها من سوء، لا بخطابات مباشرة كلافتات سياسية، ولكن بأدب يستشرف المستقبل، ويرى أبعد من اللحظة الراهنة وأعمق مما يبدو على السطح.

ربما كان هذا الدور أكثر فاعلية في مراحل سابقة، لقد كان الشعراء والأدباء يثورون ويشاركون في الثورات ويسجنون أو يُقتلون أو يُنفَون خارج البلاد.. كانوا يكتبون فتتحول كتاباتهم إلى شعارات ثورية، وكانت المظاهرات تجعل الشعراء والخطباء في المقدمة، وقد يُحملون على الأكتاف.. لا أدري أين ذهبت كل تلك القوة التي يمتلكها الشعر.

– كلمة الختام

ختاما أشكر صديقتي الروائية الكبيرة والأكاديمة الراسخة سعدية بن سالم على هذا الحوار العميق بأسئلته، وشكري موصول إلى موقع منارات الذي يحتفي بي في هذا الفضاء الأزرق، وشكرا لتونس على هباتها الجميلة كلها، الشعر والبحر والناس والمرافئ.

spot_imgspot_img