spot_img

ذات صلة

جمع

هل نهاية للعولمة؟

الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم عندما فرض الرئيس الأمريكي "دونالد...

أنا أحب إذن أنا موجود: أو الفلسفة والفائض من الغرائز

بقلم الأستاذ: الأسعد الواعر أنا أحب إذن أنا موجود هو...

آنِي.. فِي كَنَفِ “الآنِي”

الكاتب والشاعر: شاهين السّافي يذكر أنها تلقت أغرب طلب...

“أهيم عشقا بأمّ القرى ” لجلال باباي: مراثي الخريطة…

رياض خليف تصفحت هذا العمل كثيرا، مقتفيا خطى كلمات الشاعر...

الشاعر والمسرحي نزار الكشو يسرد لمنارات تجربته الشعرية ومشروعه المسرحي

إعداد سعدية بنسالم

يحدّث الشاعر والمسرحي نزار عبد الرزاق الكشو فيقول جوابا عن سؤال كيف جئت إلى المسرح ومن أين جئت بشخصية “الشيخ كلون”:

طرفة هي التي انتجت شخصية “الشيخ كلون”، وقبل الطرفة وبعدها هناك مسار أساسه الفصل بين الفعل المسرحي والقول الأدبي فمنذ الصغر وأنا أرى أنّ المسرح عموما والفعل الدرامي أيّا كان محمله هو فعل بالأساس وليس قولا. ولذلك كان قدوتي “شارلي شابلن” وكان من أهمّ الذين كنت مهووسا بهم هوسا رهيبا إلى درجة أن الوالد رحمه الله خاط لي، أوّل ما خاط، بدلة “شارلي شابلن” فكنت أتقمص شخصيّة “شارلي شابلن” بشكل جيد وأنا في عمر صغير في سن الخمس سنوات وست سنوات وكنت خفيفا جدا وأنا أقلّد حركاته. وفي نوع من الإدراك أو الوعي الأوّلي خلقت صورة في ذهني أساسها سؤال جدلي بيني وبين نفسي لم أجد له إجابة عند من حولي وهو هل أنّ شارلي شابلن هذا هو الذي ابتدع شخصيّة “شارلو” أو أخذها من غيره من السابقين؟ وكان السؤال: إذا كان شارلي شابلن ابتدعها فيخق له أن يكون جهبذا وشخصا فارقا في هذا الكون، وإذا أخذه من السلف فها أنا آخذ منه لأنه من السلف بالنسبة إليّ أيضا. وهنا بدأت اللعبة، هو اختار الشخصيّة وسماها وصنع شيئا خاصا به، وأنا نزار؟ لماذا أعيد شيئا يعود إلى غيري؟ ومن هنا بدأ هوسي: لماذا لا أصنع شيئا خاصّا بي؟ فقلت للوالد أنّي اكتشفت أن شارلي شابلن هو من ابتدع فكرة شارلو وهو من ابتدع لبسه وحركاته وهو بالتالي علامة مسجلة باسمه، من ثمّ طويت البدلة وقررت أن أترك شارلو لأهله.

في تلك الفترة كنت من المواكبين جدّا للمستجدات في الإعلام، على ندرة القنوات التلفزية، (Rai Uno وFrance 2 ) لم تكن لنا اختيارات كبرى لاكتشاف العالم فلا الإنترنت مثلما هو الحال الآن، فكانت مشاهداتي في نهاية الأسبوع منصبّة كثيرا بين السيرك يوم الأحد، والأفلام الصامتة التي جعلتنا نتحدث كثيرا مساء السبت. من هنا انتقلت إلى نقطة أخرى، ففكرت أنّه إذا كان هو شخصية، كما يقال، اختارت مسارها فلأختر أنا أيضا مساري فاتجهت إلى فن المهرّج، ورأيت أنّ الفرق الوحيد بين دوري شابلي شابلن والمهرّج هو أنّه نه اختار شيئا يشبهه، وأنا أريد أن أختار شيئا يشبني. ودخلت عالم المهرّج وبدأت ألبس لباس المهرّج أزيّن وجهي بزينة المعرّج وبدأت أجد نفسي بعيدا عن التقليد. تحررت أكثر وتجاوزت فكرة تقليد شارلي شابلن في حركاته، أصبحت عندي حرية أكثر، لكن اصطدمت بحادثة، إذ جاءت الوالدة لتقول لي بقسوة، “ترك هذا لكاراكوز اجعل قدر لروحك” ولقد كنت أدخل إلى غرفة الوالدة فأعبث بألوان زينتها وأضع منها على وجهي ما احتاجه في شخصيّتي. وكنت فتى مطيعا إلى حدّ. فنزعت الملابس وانزيت حزينا. سألني والدي يومها عن حزني، كان والدي مراقبا جيّدا لما يحدث، وكنت أتساءل في نفسي لمَ يكتفي أبي بالمراقبة ولا يتدخّل مباشرة، لعلّه كان يوجّه بصورة من بعيد دون أن يظهر في الصورة لسبب لا ادركه حينها، ثمّ اكتشفت حين التحقت بالجامعة في العاصمة، أنّه شخصيّة عظيمة فعلا تبعث على الفخر، وتلك العظمة تزداد مكانتها حين ألمح نظرة احترامه وتقديره في عيون الآخرين، آخرين ما كنت أعتقد أنّهم يعرفونه أو على صلة به، فهم بعيدون جدّا عن مجاله الجغرافيّ، أخبرت والدي ما قالت أمي تمعن في الوقل قليلا ثمّ قال، هي طلبت أن تترك الكاراكوز أي أن تترك تلك الحركات الزائدة التي لا طائل منها، وان تترك الألوان التي لا وظيفة لها وطلبت منك أن تهتم بالقيمة، أي أن تجعل لعملك قيمة فيرتفع شانك، من هناك تركت الألوان وملت إلى اللونين الأسود والأبيض، واخترت غطاء قارورة أحناه لي والدي ليلائم أنفي، فكنت ألبس الأبيض وأقدم عروضا للأطفال، فإذا أردت التعبير على الحزن لبست الأسود ووضعت الغطاء على وجهي. ثمّ وجدت أن وجود بدلتين يعطل العمل فقررت أن أجعل نصف البدلة أبيض ونصفها اسود، وخاط لي والدي بدلة كذلك.

اكتشفت بعد مدة وأنا أتابع التلفاز أنّ أحدهم يرتدي لباسا نصفه أبيض ونصفه أسود، كان اسمه “بيرو”، وحزنت فذهبت إلى والدي شاكيا قائلا: أعتقد ألاّ حظّ لي في خلق شخصية خاصّة بي. إلى أن حدث أمر.

عاد جدّي وجدّتي من الحجّ، واجتمعت العائلة للترحيب بهما، فكان يوما مشهودا واحتفالا كبيرا في منزلنا الكبير، يومها بحدس الفنان الصغير ربّما، تسلّلت إلى غرفة جدّي ولبست شاشيته وجبته ووضعت ذلك الغطاء القديم الذي احتفظت به على أنفي، ولبثت أنظر إلى نفسي في المرآة مستمتعا بما أرى، ولم أفطن إلى جدّتي تدخل الغرفة، وحين انتبهت وحاولت الاختباء وجدتني أمامها وجها لوجه، فشهقت “كلون؟؟” ثمّ سحبت “شلاكتها” لتضربني، فما كان منّي إلاّ أن هربت، ولكم أن تتخيلوا المشهد، أجري بشاشية جدّي وجبته التي تتجرجر على الأرض وجدّتي خلفي بشبشبها. من هناك نشأت شخصيّة “الحاج كلون”.

جمعت في هذه الشخصية بين فنّ الفعل “كلون” وفنّ السرد “الحاج، وللسرد حكاية طويلة معي عمدتها الوالد.

أثر والدي في حياتي:

كانت أوّل هديّة وصلتني، وأنا في الثالثة من عمري، هدية من والدي تتمثل في كتاب كليلة ودمنة، كتاب سميك أصفر مليء بالصّور، وكم كان فرحي بالكتاب وكم كان احتفائي به، حتّى أني اخترت له مكانا أثيرا بجانبي على المخدّة. فإذا حوّلته امي لسبب من الأسباب، غضبت وأحدثت كثيرا من الهرج.

في السنة السادسة ابتدائي كنت أدرس عند السيّد عبد الوهاب المساعدي معلّم العربية، لم أكن حفاظا، وكنت أنشئ مقولات وحكما وأسندها أحيانا إلى مؤرخين مغمورين وكان معلّمي السيّد عبد الوهاب المساعدي يشجعني على إتقان وضع الشاهد محلّه من الإنتاج الكتابي واصلت النهج نفسه بل وتوسّعت في اسناد تلك المقولات والأبيات الشعرية إلى شخصيات وهميّة، ولعلّ تلك العادة استمرت معي حتى الباكلوريا.

في السنة الأولى ثانوي (السنة السابعة من النظام التعليمي الحالي)، تفطّن لي أستاذي عمر بالفقيه، وكنا ندرس حينها مادّ العروش للمرّة الأولى وكانت لي محاولات في كتابة الشعر بالنسج على منوال قصيدة معروفة، لم تكن لي دراية بالأوزان وغيرها. وأذكر أنّ أوّل نصّ كتبته كان اقتداء بقصيد الشابي “إذا الشعب يوما أراد الحياة”، إلى بذرة الكتابة الشعرية عندي، فكلفني، متى عدت للبيت أن أردّد وزن المتقارب وكأنّي أغنّي، وفعلت ذلك لأسابيع دون أن أملّ، ثمّ صادف أن نظمت مجلة الشاعر الصغير مسابقة للأطفال في قول الشّعر فطلب منّي أستاذي أن أحاول نظم قول على الوزن الذي أردّده منذ أسابيع. وكتبت نصّا أصلحه لي في الحقيقة وشذّبه يقول:

وللعاشقين كلام جميل*** وللعاشقات رقيق العبارة

لي من هواها بقاء الليالي*** وحيدا كئيبا كضوء المنارة

أخطّ الحروف بدمع العيون*** وقلبي الفتيّ يموت انتظارا

سلوها عساها ترقّ لحالي*** ويفرح قلبي بأحلى زيارة

وأخذنا بهذا العمل الجائزة الكبرى في الوطن العربي.

(يتبع)

spot_imgspot_img