
الشاعر: هادي دانيال
النهاراتُ سوداءُ كالليالي
والسماءُ عَمْيَاءُ لا تُبالي
والعصافيرُ بالخوازيقِ تُشْوى
فَوْقَ جمْرِ الشجَرْ
والتي كُنْتُ أحسبُها وطَناً أو بَلَدْ
ألْقَمَتْ جُوعَها بالخواشيق أعْيُنَنا
شربَتْ دَمَنا
بكؤوسِ قَطَرْ
ثُمَّ ألْقَتْ على عَظْمِنا البَشَريّ
تَجَشُّؤَها / حجاباً هُنا وهُنالكَ مِسْبَحَةً
ثُمَّ عَرَّتْ مَفاتِنَها
وَأصابِعُها تَتَسَلّى…
بِلِحْيَةِ مَهْدِيِّها المُنْتَظَرْ!.
……….
البلادُ التي أنْجَبَتْ شَعْبَها في ظلالِ السيوفِ
وَزّعَتْهُم على عَتَبَاتِ الكُهُوفِ
وبينَ ثُغُورِ الحَذَرْ
لِيطْلُعَ منها هديلُ الحمامِ ومِسْكُ الغزالِ، الطيورُ بِقُبَّرِها والصقورْ
ويَنْسَلّ منها الضباعُ تُفَتِّشُ عَنْ صَيْدِها في القُبُورْ
أو كلابٌ سلوقيّةٌ في مواسم صَيْدِ البشَرْ
البلادُ التي أنكَرَتْنا
ونَحْنُ الذينَ وُلِدْنا على صهواتِ الخُيولِ
وفي عرباتِ قطار القدَرْ
نَحْنُ ألجمةُ الريحِ
نَحْنُ السياطُ التي في الهواءِ تُفَرْقِعُ كي تُسْرِعَ الريحُ
نحن الأُلى مِن صُخُورِ الجبالِ وَعُشْبِ الصخورِ جُبِلْنا
بماءِ المَطَرْ
يُطاردنا جَرَبُ الظلماتِ وطاعونُها؟
البلادُ مُنَقَّبَة عُنْوَةً
قلائدها عُوِّضَتْ بحِبال المشانقْ
وعلى منكبيها لأبنائها مِن حَصادِ البنادِقْ
كَفَنٌ هائلٌ يَتَمَوّجُ كالبحرِ وَقْتَ كُسُوفُ القَمَرْ
مَوسِمُ الموت مُزْدَهِرٌ – صاح “هاديس” منتشياً
لم تُجِبْ “بيرسفوني”،
ذرَفَتْ عَيْنُها دَمْعةً فرأتْ ما أرى:
بلاديَ أرْض الظلامْ
لا أمانَ لِحَيّ
وملتبساً صارَ معنى الحياةْ
كيف صارت قرى أوغاريتَ البريئةُ كالعُشْبِ
مَرعى ذئابِ الصحارى؟
كَيْفَ مَنْ أنْبَتت في الحناجر أوّلَ أغنيةٍ
…وعَلّقَتْ الأبجديّةَ قنديلَ معرفة أزَلِيّاً
على شُرُفاتِ الزمانْ
كيف هذا المكانْ
يصير زنازينَ شَبْحٍ وَذَبْحٍ على الطُّرُقاتْ؟
ولا تجدُ الروحُ في زمَنِ التكنولوجيا الحضاريِّ دَرْبَ خَلاصْ
غير تمزيق قُمْصانِها بالرّصاصْ؟
وتهمسُ في سرّها “برسفوني”:
كلّما غّصّت الأرضُ بالدمِ جَفّتْ ينابيعُها
وأثمرت القحْطَ والجوعَ والعَطَشَ المُرّ
وهاجتْ خلائقُ “سبهانَ آدَم” في زّيّها العسكريّ مُلَثّمةً بِلِحىً
فَرَضَتها على الناسِ كي يتساوى الغزالُ مع الضبْعِ حينَ انتصاب المرايا
وانتقام الضحايا
و”شاباشُ” كانت ترى مَعَها وَمَعي
(وَدَمْعُهُما، كانَ يلمَعُ في مَدْمَعي)
نَرى أنّ وَحْشاً تَفَلَّتَ مِن قَفَصٍ وَيُحاكي رُعاةَ البقرْ
وأنَّ الرّهانَ الغبيّ على شكلِهِ الآدَميّ انْكَسَرْ
فَلْنُعِدْهُ إلى الغابة المركزيّةِ والمُخْتَبَرْ
وَلْيَكُنْ دَمُنا غاليا
لا ندير الظهورَ لأعدائنا
بل نُهاجِمْ
نَتَعَلّمُ كَيفَ نَخيطُ جراحاتنا في ظِلالِ النِّبالِ
وَنَحْنُ نُقاوِمْ
كي نُسَلّمَ أبناءنا رايةَ الشمس فوقَ الجبالِ.
*تونس/المنار2، مساء الخميس 23جانفي/كانون الأوّل 2025.