spot_img

ذات صلة

جمع

هل نهاية للعولمة؟

الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم عندما فرض الرئيس الأمريكي "دونالد...

أنا أحب إذن أنا موجود: أو الفلسفة والفائض من الغرائز

بقلم الأستاذ: الأسعد الواعر أنا أحب إذن أنا موجود هو...

آنِي.. فِي كَنَفِ “الآنِي”

الكاتب والشاعر: شاهين السّافي يذكر أنها تلقت أغرب طلب...

“أهيم عشقا بأمّ القرى ” لجلال باباي: مراثي الخريطة…

رياض خليف تصفحت هذا العمل كثيرا، مقتفيا خطى كلمات الشاعر...

الغابات في قلب رهانات إعلان COP26: منظومة بيئية تتأرجح بين الأهداف والواقع

الدكتور: التهامي رزيقي

خلال الأعوام الأخيرة من سبعينات القرن الماضي طفت على السطح جدلية العلاقة بين انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وتغير المناخ لدى المختصين في المجال انبثقت عن ذلك فكرة “البرنامج العالمي للمناخ” للحصول على فكرة أوضح للأسباب والتأثيرات.

في سنة 1988 تأسست الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ .(IPCC) وأنشئت الهيئة (IPCC) مشاركة بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) لتقديم أراء علمية واضحة للعالم بشأن الحالة الراهنة للمعارف في مجال تغير المناخ والآثار البيئية والاجتماعية-الاقتصادية المحتمل أن تترتب عليه. في أول تقرير لها أجزمت الهيئة أن الانبعاثات الناتجة عن الأنشطة البشرية تؤدي إلى زيادة تركيز(concentration) الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي بشكل كبير. تعزز هذه الزيادات من تأثير الاحتباس الحراري مما يؤدي إلى مزيد من الاحترار لسطح الأرض.

خلال قمة الأرض(1992) التي انعقدت بريو دي جانيرو أمضى 153 دولة على “اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ” (CCNUCC)والهدف منها خفض انبعاثات الغازات المسبب للاحتباس الحراري.

سميت الحكومات الممضية على الاتفاقية بالأطراف ويجتمعون كل عام في “مؤتمر الأطراف” ِ .( COP conférences des parties )انتظم أول مؤتمر COP1 سنة 1995 ببرلين تحت إشراف أنجيلا ميركل وزيرة البيئة الألمانية آنذاك.

وتتالت مؤتمرات الأطراف وارتفع نسق الأهداف والوعود في مقابل ظهور بعض التجليات المخيبة للآمال منها عدم إمضاء الولايات المتحدة أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري على برتوكول كيوتو (COP3) الذي من أهم أهدافه الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. كذلك لا ينطبق البرتوكول على الصين لاعتبارها دولة نامية. و عندما لا تحترم الدول الأهداف التي حددها البرتوكول، فإنه لا ينص على آلية للعقوبات. ثم كانت الاتفاقية التاريخية بباريس (COP 21)سنة 2015 أين تعهد المؤتمرون 195)دولة( بالحد من ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية إلى “أقل من درجتين” ومواصلة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة.

لأول مرة تلتزم كل الأطراف بالمعاهدة ويتعين على كل دولة تقديم خارطة طريق تحدد أهدافها لتخفيض الانبعاثات. و قبل انعقاد مؤتمر الاطراف في مدينة غلاسكو(COP26) سنة 2021كشفت هيئات اممية أن السياسات المرسومة لخفض الانبعاثات ستؤدي إلى مسار احترار يبلغ 2,7 درجة مئوية في عام 2100.

من مخرجات COP26 أنه أصبح من الملح للغاية اتخاذ إجراءات عاجلة للغاية لمواجهة تغير المناخ. لقد وفر مؤتمر الأطراف السادس والعشرون فرصة فريدة لقادة العالم للعمل معا للحد من ارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ وذلك بالالتزام بأهداف أكثر طموحا للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2030 ومناقشة التدابير اللازمة للتكيف (adaptation)مع العواقب الحتمية لتغير المناخ أهمها زيادة التمويل المخصص للعمل المناخي لا سيما للبلدان النامية. كما أنتج مؤتمر الأطراف السادس والعشرون “عناصر أساسية” جديدة للمضي قدما في تنفيذ اتفاقية باريس من خلال تدابير يمكن أن تضع العالم على مسار أكثر استدامة وبانبعاثات متزنة للكربون. ومن أهم النقاط التي تمت الموافقة عليها :

  1. الاعتراف بحالة الطوارئ وتسريع الإجراءات
  2. التخلي تدريجيا عن الوقود الأحفوري (العامل الأساسي في الاحتباس الحراري)
  3. تأمين التمويل للعمل المناخي وتعزيز دعم التكيف خاصة للدول النامية.
  4. إكمال لوائح اتفاقية باريس والتركيز على الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ على السكان لا سيما في البلدان النامية.

وتصدرت الغابات العديد من الاتفاقيات والإعلانات المهمة الأخرى ذات آثار إيجابية كبيرة إذا تم تنفيذها بالفعل. حيث اتخذ 137 بلدا خطورة تاريخية إلى الأمام من خلال الالتزام بوقف فقدان الغابات وتدهور الأراضي (dégradation des terres).

ويدعم هذا الالتزام 12 مليار دولار أمريكي من التمويل العام و7,2 دولار أمريكي من التمويل الخاص. وبالإضافة إلى ذلك التزم الرؤساء التنفيذيون لأكثر من 30 مؤسسة مالية بالقضاء على الاستثمار في الأنشطة المتعلقة بإزالة الغابات (Déforestation).

وقد حظيت هذه الوعود بدعم قادة دول كثيرة من بينها البرازيل وأندونيسيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية والتي تمثل مجتمعة 85 % من غابات العالم.

في هذا الصدد قال الزعيم البريطاني بوريس جونسون )راعي الاعلان(“ستكون لدينا فرصة لإنهاء تاريخ البشرية الطويل كقاهر للطبيعة، وبدلا من ذلك سنصبح حارسا لها ” واصفا الاتفاق بأنه غير مسبوق. كما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن أن خطة الولايات المتحدة الجديدة ستساعد العالم على تحقيق هدفنا المشترك المتمثل في وقف فقدان الغابات الطبيعية واستعادة ما لا يقل عن 200 مليون هكتار إضافية من الغابات والنظم الأيكولوجية بحلول عام 1930.

مثل كل التعهدات الجيدة التي يتم إبرامها في اتفاقيات دولية، فإن إعلان مؤتمر الأطراف السادس والعشرين بشأن الغابات وإزالة الغابات رغم أهميته يبقى رهين النتائج على أرض الواقع و خاصة الوضع في أهم غابات العالم كالأمازون على سبيل المثال. باختصار، الإشارة المرسلة قوية لكن هل سيتم التوصل لحلول وتنفيذ ما جاء به إعلان COP26؟ من الواضح أن ما تدمره البشرية عندما تستبدل الغابات بالأراضي الزراعية، لا تعرف كيف تستبدله فتخسر الطبيعة الخدمات المناخية التي تقدمها الغابة وكذلك يتلاشى خزان التنوع البيولوجي الذي تؤويه الغابات خاصة في المناطق الاستوائية. وفي المقابل تستقطب الأسواق الاستهلاكية الأطنان من اللحوم وزيوت النخيل والسوجا التي تأتي من هذه المناطق.

في هذا الصدد يقول الجغرافي والباحث الفرنسي (François Michel Le Tourneau) المختص في منطقة البرازيل الأمازونية “أي مصداقية يمكن أن تعطى للموقعين عن الاعلان في حين أن بعضهم ينتهج سياسة معاكسة تماما منذ فترة طويلة. و أجزم François Michel أيضا أن الالتزام الدولي لا يكفي على أرض الواقع مذكرا بالتزامات سابقة مماثلة للحد من إزالة الغابات لم تؤتى أكلها بل أن التقهقر تواصل وأنهى مقاله متسائلا عن طرق واحتساب الموارد والتمويلات المرصودة إضافة إلى أنه أشار إلى أن أغلب الحكومات تخطط لإجراءات يتطلب تنفيذها أموالا أكثر من المرصودة.

يحظى قطاع الغابات في العالم وفي تونس أيضا بأهمية كبرى إذ يعتبر أداة قيمة للنمو الاقتصادي والاجتماعي. فالغابات قطاع متنوع للغاية ويتمتع بإمكانيات هائلة:

  1. داعم للقطاعات الاستراتيجية الأخرى في البلاد.
  2. مصدر لخلق فرص العمل
  3. ينمي الموارد المحلية ويحافظ على التراث الثقافي ويعززه. وبالطبع يساهم في الناتج المحلي الإجمالي (FIB).
  4. تحظى الغابات بأهمية بيئية كبيرة، نظرا لدورها في الحفاظ على التنوع البيولوجي والحماية من التعرية والتصحر والحفاظ على المياه والتربة.
  5. تساعد الغابات على التخفيف من وطأة تغير المناخ وهي ميزة خاصة بالأشجار التي تلتقط الكربون من الغلاف الجوي وتثبته في الكتلة الحيوية، خاصة في الخشب الذي يعتبر مادة متجددة.

يعتبر فقدان مساحة الغابات لصالح استخدامات أخرى للأراضي من أهم الأسباب لإزالة الغابات وانخفاض الغطاء الحرجي. و يرتبط أكثر من نصف إزالة الغابات في العالم ارتباطا مباشرا بتحويل الغابات إلى أراضي زراعية وأراضي رعي. وبدرجة أقل، تعد التنمية الحضرية وتطوير البنية التحتية والاستغلال المفرط للموارد الخشبية من الأسباب الكبرى لإزالة الغابات في جميع أنحاء العالم. أما بالنسبة لتغير المناخ فهو سبب ونتيجة في آن واحد لإزالة تدهور الغابات.

فالأحداث المتطرفة التي يسببها تغير المناخ ، مثل الحرائق والجفاف والفيضانات، تؤثر على الغابات. وفي المقابل، فإن فقدان الغابات يضر بالمناخ، حيث تلعب الغابات دورا مهما في احتجاز ثاني أكسيد الكربون (المسبب الرئيسي لاحترار الأرض) ومنع فقدان التنوع البيولوجي وتآكل التربة. كما تجدر الإشارة إلى بروز ظاهرة موت الأشجار على نطاق واسع عقب موجات الجفاف باعتبارها “مفاجأة بيئيةّ” مدمة بيئيا واقتصاديا. وهنا أشير إلى أنه في سنة2023 أشرفت مع ثلة من الزملاء بمعهد الغابات و المراعي بطبرقة على تنظيم منتدى علمي في اطار إنشطة نادي “الغابات وتغير المناخ، F2C” حول “تدهور الغابات وموت الأشجار في ظل تغير المناخ: الملاحظات والأسباب والآليات” . يعد فهم دوافع موت الأشجار والتنبؤ بها أثناء الجفاف وبعده مشكلة علمية طويلة الأمد ذات تداعيات واسعة النطاق بدءا من الحفاظ على البيئة وحتى جهود التخفيف من آثار تغير المناخ. إن الملاحظات المنتشرة على نطاق واسع لمعدلات الوفايات الناجمة عن الجفاف مع التغيير المناخي (البشري المنشأ) تجعل فهم آليات موت الأشجار هاما وعاجلا.

قدمنا هنا مسارا للمضي قدما في فهم العلاقة المعقدة بين الغابات وتغير المناخ حيث أن المحافظة على الغطاء الغابي وتحسينه هو عامل أساسي في الحد من ارتفاع حرارة الأرض (لكن يبقى رهين كمية الانبعاثات الناتجة عن الأنشطة البشرية) وفي المقابل فإن التغيرات الراهنة للمناخ وخاصة الجفاف أسهمت في تدهور الغابات وتنوعها البيولوجي وخدمات نظامها البيئي.

spot_imgspot_img