spot_img

ذات صلة

جمع

هل نهاية للعولمة؟

الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم عندما فرض الرئيس الأمريكي "دونالد...

أنا أحب إذن أنا موجود: أو الفلسفة والفائض من الغرائز

بقلم الأستاذ: الأسعد الواعر أنا أحب إذن أنا موجود هو...

آنِي.. فِي كَنَفِ “الآنِي”

الكاتب والشاعر: شاهين السّافي يذكر أنها تلقت أغرب طلب...

“أهيم عشقا بأمّ القرى ” لجلال باباي: مراثي الخريطة…

رياض خليف تصفحت هذا العمل كثيرا، مقتفيا خطى كلمات الشاعر...

« إلى أطفال فلسطين» «عصافير جنة»

سفيان بن عمار عون

هل تحتاج الجنان إلى عصافير؟!

كان موت طفل خبرا صادما بالنسبة إليه وقد وقع ولكنه هذه المرة كان قريبا قريبا جدا.

كنت أبادلها بعض الكتب والقصص الصغيرة…تجالسني بعينين تشبهان السماء بعد المطر و بجديلة مظفورة تلامس أطرافها الخصر أو تفوته لتغازل ارتفاعا طفيفاكان يبدو أسفل الظهر… كانت تجالسني كل صباح أربعاء في حصة اللغة الأنجليزبة فنحن لم نكن نجلس حيث نربد كان معلمونا يجلسوننا في أماكن لا نغادرها مطلقا….ولم يكن ذلك يزعجنا أو هو على الأقل لايزعجني فقد كانوا أنبياء يأتون من أماكن بعيدة لا نراها ليعلمونا وكان ذلك بالنسبة لي يكفي و يزيد… كنا نأتي صباحا وباب المدرسة مغلق وحين يفتح الحارس الباب لنندفع عدوا باتجاه أقسامنا كنا نجدهم بالداخل فنصباب بالحيرة كيف دخلوا و من أين جاؤوا؟!

كم يسعدني حضورها الصباحي …. كنت مغرما بحصة الأنجليزية وبتلك اللغة وبتلك الطفلة وبرائحة الزيتون في جدائل الشعر وبقصة ذهبية تتدلى على عينين واسعتين براقتين تحملان البحر إلي فأسعد بالنور والأسماك و بنسمات الصباح وبالموجات البعيدة تنكسرعلى الهدب بهدوء الأمنيات الصغيرة الغارقة في الفضة والذهب…

رأيتها ذلك المساء نحيفة كما لم أرها من قبل كانت تجلس أمامي بيني وبينها طاولة واحدة البنات يصطففن في الطاولات على اليمين و يصطف الأولاد على اليسار …فتحت محفظتي جذبت قصتي الصغيرة التي بها وعدت وقفت وانحنيت قليلا تسللت يدي وهي تمسك الكتاب الصغير بين جسدين صغيرين همست باسمها»آمال». كنت أخشى أن يتفطن «سيدي» لي و لحركتي …التفتت… خصلات شعرها كانت مبعثرة وعبناها غابت عنهما الأسماك و التماعة الأزرق الكبير ابتلعها سواد نبت فجأة حول المآقي …مدت بدا مرتعشة استلمت مني الكتاب …حين أشرت إليها دون أن أتكلم مطالبا إياها بالقصة التي وعدتني أجابت بصوت هامس يشبه النشيج :» لقد نسيت…»انتبه المعلم ضرب على الطاولة بمسطرته…تراجعت بسرعة إلى موقعي ..دست كتابي الصغير في جيب ميدعتها …التفتت في ارتباك إلى الأمام و قد بدا لي في عينيها شي ء ما يشبه الغرق أو البكاء أو الحزن المفاجئ أو لعلها لؤلؤة بحرية تجمدت في المآقي بسبب خوف ما ولد فجأة…

في الصباح في باب المدرسة كان اللون الأصفر الحزين باديا على غير عادته.و كان ثمة شيء كريه يحلق في السماء بجناحين مخيفين…كانت صفوف التلاميذ مبعثرة و الفتيات كن ينتحبن والذكور كانوا في صمت مقيت وأما أنبياؤنا فقد كانوا يتحدثون إلى بعض الصغار الذين بدوا في حالة انهيار تام و يربتون على أكتافهم الصغيرة بدفء كل الدنيا و يهمسون لهم بأشياء لم أكن أسمعها… بدوا في الظاهر أكثر تماسكا من الجميع ولكن و في الحقيقة فحزنهم بدا لي عميقا و جليا…. اقتربت من رفيقي أسأله ما الذي يحدث ولكن وقبل أن بجيب كان المدير يطلب من الجميع قراءة الفاتحة على روح صاحبة الجديلة الصفراء. الطويلة… «آمال».

حين عدت إلى البيت منكسرا سألت أمي :»لماذا يموت الأطفال…؟!،»

كان جوابها بالنسبة لي غريبا لكنه حاسم:»يحتاج الرب في جنته إلى العصافير….هي عصفور جنة …».قلت لها:»ألا تكفيه عصافيره هناك؟! «….ليعم بعد ذلك صمت بثقل كل الدنيا…

ومن يومها صرت أخشى على العصافير الصغيرة من جنة الرب.

spot_imgspot_img