spot_img

ذات صلة

جمع

هل نهاية للعولمة؟

الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم عندما فرض الرئيس الأمريكي "دونالد...

أنا أحب إذن أنا موجود: أو الفلسفة والفائض من الغرائز

بقلم الأستاذ: الأسعد الواعر أنا أحب إذن أنا موجود هو...

آنِي.. فِي كَنَفِ “الآنِي”

الكاتب والشاعر: شاهين السّافي يذكر أنها تلقت أغرب طلب...

“أهيم عشقا بأمّ القرى ” لجلال باباي: مراثي الخريطة…

رياض خليف تصفحت هذا العمل كثيرا، مقتفيا خطى كلمات الشاعر...

حول هجرة الافارقة الجنوب – صحراويين إلى أوروبا… فُسحة من التفكير…

محمد صالح التومي المعروفي

كنتُ استمعتُ في غضون شهر جويلية / تموز 2023 إلى فيديو وقع إنجازه بليبيا الشقيقة بمدينة «زوارة» الشاطئية تحديدا، وهي بلدة شبيهة بمدينة «صفاقس» بتونس حيث يتخذها الوافدون من جنوب الصحراء كنقطة انطلاق نحو إيطاليا… ثم نحو باقي ربوع أوروبا…

أحد الذين وقع استجوابهم يمكن تلخيص تصريحاته كما يلي :

أخبر في البداية أنه واحد من الذين نجوا من الموت في محاولة سابقة ل « الحرقة» وأنه سيعيد الكرّة مرة أخرى.. رغم ذلك،

وقال أيضا : إنه كان شاهدا على عائلات بأكملها حاولت…. « الحرقة» ويقصد الأم والأب والأبناء… وأن كثيرا من هذه العائلات انتهت بها المغامرة غرقا في البحر فريسة للحيتان طبعا… أو إن الأمواج رمت بأفرادها على الضفاف جثثا هامدة…

كما قال… إنه لو علم بوجود مثل هذه الصعوبات لما أقدم على الهجرة من بلاده…( وهذا تصريح لا يخلو من الأهمية)… ولكنه الآن – وبعد الخسارة التي مُني بها لا يمكنه الرجوع إلى الوراء… وإنه سيعيد المغامرة من جديد مهما كان الثمن ..

فلما سئل عن معنى « الخسارة» أجاب بأن الرحلة نحو… « الموت المطلّ « تكلف مبلغا يصل إلى الألفي دولار … يُدفع إلى المهربين والسماسرة ومن وراءهم من المتاجرين بالبشر.. أي ما يعادل 6000 دينارا تونسيا… وقد دفعه في مرة أولى، وهو يحتفظ في مكان» سري» بمبلغ مماثل لمحاولة جديدة… ولا يهمه الآن إن كان الموت سيكون نهاية لهذه المحاولة ….

هالني ما سمعته….!

و أصابني ببهتة من الواجب تقاسم مفرداتها مع «أصحاب العقول والحِجى»….

و ما يجب التوقف عنده منذ البداية ، هو أن هذه ظاهرة الهجرة ليست خاصة بإخوتنا الوافدين من جنوب القارة السمراء،

فهي ظاهرة ملحوظة في إفريقيا بجنوب الصحراء ( أي بإفريقيا السوداء )، كما بشمالها (أي بلدان المغرب الكبير) ، مثلما هي موجودة بالمشرق العربي أو ببلدان شرق أوروبا، أوبالمكسيك المجاورة للولايات المتحدة الأمريكية… كما ببلدان القارة الآسيوية …

كل هذه الشعوب يلاحق فقراؤها ثرواتهم المنهوبة منهم من طرف حكام المراكز الرأسمالية المسماة «متقدمة» ( ترى ما معنى التقدم هنا؟ ) والذين ( أي هؤلاء الحكام ) يتعاونون في ذلك النهب مع العملاء الكومبرادور الحاكمين لبلدان» الجنوب»، وهم ( أي. هؤلاء الفقراء هذه المرة)… لا يجنون من وراء تلك الملاحقة غير الفتات… إذ كثيرا ما ينتهون إلى أناس يعيشون على الهامش والشقاء بصورة ما أبعدها عن « الأحلام الوردية» التي كانت تعشش في رؤوسهم نتيجة نجاح أعداد قليلة. جدا ممن سبقوهم في إحداث تغيير حقيقي في حياتهم… وقد يكون ذلك « النجاح» بالزواج حتى بالعجائز أو ببيع المخدرات …

و وقوفا تحديدا عند مأساة إخوتنا الوافدين من جنوب الصحراء الإفريقية سواء لمحاولة العبور نحو « أوروبا» أو للاستقرار «عنوة» أي بصورة غير قانونية ب «شمال إفريقيا» أي بالدول المغاربية : ليبيا والجزائر وتونس والمغرب الأقصى…. معرضين أنفسهم لسوء المعاملة، وحتى للاستعباد أحيانا حيث يتم تشغيلهم في أسوإ الظروف وبما لا يكفي حتى لسداد حاجتهم للطعام… كما معرضين عند رغبتهم في الاستقرار عنوة ببلدان « العبور» إلى التحاكك والمشاحنات مع ساكنة تلك البلدان وخاصة عند وقوع تجاوزات من قبلهم قد تدفع دفعا إلى رفض تواجدهم…

قلنا… ووقوفا عند ما سبق… فإنه لا بد أن نلاحظ بأن بلدانهم هي من أغنى البلدان في الكون من حيث الثروات الموجودة بباطنها من معادن ثمينة ونادرة من ذهب وألماس ونيكل وكوبالت. ويورانيوم وغيرها ، ومن حيث مصادر الطاقة(نفط وغاز) ، كما إن أراضيهم بغاباتها المطيرة وبأنهارها هي من أخصب الأراضي…. ولكنهم. للأسف لا يستجمعون قواهم لتحرير أراضيهم من قبضة الاستنزاف الامبريالي ويفضلون اللهاث وراء ما سُرق منهم متنكبين سبيل « الحرقة» نحو المراكز الرأسمالية التي تنهبهم، أو محاولة الاستقرار عنوة بأراضي غيرهم من الشعوب التي قد لا تكون لديها طاقة على استيعابهم نظرا لوقوعها هي الأخرى تحت نير الاستنزاف الاستعماري ، فيتضح من خلال ذلك أنهم لم يجدوا قوى سياسية ناجزة لتنظيم كفاحهم ضد النهب والاستنزاف ببلدانهم…. فهذه القوى بقيت علي درجة من الضعف نتيجة تصفية رموزها( باتريس لوممبا وطوماس سانكارا أمثلة…) وهذا عامل موضوعي، كما نتيجة عوامل ذاتية لا بد من تدارسها بغاية تجاوز هذا العجز الباعث على الحزن والأسى لديهم كما لدى الشعوب المضطهَدة مثلهم …

وهكذا يجدون أنفسهم في فخ المكائد الامبريالية التي تحاول تحويل التناقض الرئيسي بينها وبين الشعوب المضطهَدة إلى تناقض داخل هذه الشعوب ذاتها ، هادفة من خلال هذا الأسلوب إلى صدّ «جحافل المهاجرين السريين» بمحاولة توطينهم عنوة ببلدان عبورهم نحوها ، مقابل التلويح لبلدان العبور هذه برشوات مالية مُغرية من ناحية أولى …أو ربما،ومن ناحية أخرى، حتى بمدّ بعض هؤلاء المهاجرين بالأموال وبالخطابات الفكرية أو التبشيرية التي تشجعهم على الاستقرار بكل الطرق مهما كانت غير قانونية…

ولتكن نتيجة كل هذا هي الصراع المرير وحتى الدموي بين الوافدين وبين أهالي بلدان العبور… فهذا مما لا يهم المراكز الامبريالية في شيء….. فما يهمها هو فقط … المحافظة على نظام النهب والاستنزاف الذي لن تفكر أبدا من تلقاء نفسها في استبداله بنظام أكثر عدلا….

فهذا ما يطرح على الشعوب والأمم المضطهَدة مقاومة ذلك بالتوحد وبالتنسيق فيما بينها ، و بتنظيم قواها من أجل دحض المكائد الامبريالية وصولا إلى فرض هذا النظام العادل بكل الوسائل المشروعة….

وهو ما يستوجب بث وعي جدي وجديد بالمعادلات الكونية وإيجاد السبل التعاونية، وتنظيم التكاتف بين الأمم والشعوب بغاية إنجاز ذلك…..

فالامبريالية قوة عولمية، و لايمكن قهرها بدون إخاء أممي…. وهذا هو واجب القوى الوطنية – التقدمية في كل مكان….

فهل من نهوض ؟

spot_imgspot_img