spot_img

ذات صلة

جمع

خواطر حول “ديسمبر”..

شاهين السّافي في ديسمبر لا يقف المرء أمام شهر يعلن...

” إشراقات الوجد” للشاعر تهامي الجوادي: …الكتابة بطعم القيروان وعطرها

بقلم: رياض خليف نشأ تهامي الجوادي في ذلك المناخ الذي...

أشرف أبو اليزيد: الإنسان خارج وطنه يعيد اكتشاف ذاته

حاوره: طارق العمراوي، كاتب وناقد من تونس كيف تقدمون الروائي...

توفيق الجبالي مسرحي “لا ينسي ولم يسأَم”

الكاتب: حسني عبد الرحيم الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيمعندما نتحدث...

ما الجامعة: كتاب للأستاذ محمّد الحدّاد نشأة العلم والتعلّم وآفاقه

سعدية بنسالم أصدر المعهد العالي للغات بتونس، كتابا للأستاذ محمّد...

توفيق الجبالي مسرحي “لا ينسي ولم يسأَم”

الكاتب: حسني عبد الرحيم

الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم

عندما نتحدث عن “توفيق الجبالي” فإننا نتحدث عن تاريخ معين مواز للمسرح في تونس وعندما يؤرخ البعض لتاريخ المسرح التونسي فهم إما مع أو ضد “المسرح الجبالي”! هو خارج المسرح المُعترف به رسميّا هو خيال فنان اختار أن يكون في الهامش ليصبح هو نفسه التيار الرئيسي! لم ينتظم في دراسة أكاديمية أثناء إقامته في فرنسا ارتاد بعض المدارس المعروفة في التمثيل لم يرتح بها وفي الجامعة المتمردة “فنسان” التي كانت المحطة الرئيسية لمتمردي الستينات في السياسة والفلسفة والفن! وإقامة لعامين في القاهرة حيث وجد مقامه في جماعات المثقفين المتمردين ومفاهيم التمرد السبعيني في الأدب والفن!

كنت قد تابعت بشغف أعمال الجبالي منذ سنوات فله في قلبي مع زوجته الراحلة “زينب” مكانة استثنائية وكنت أتخوف من أن يكون لذلك تأثير على النقد الموضوعي حتى أتى توفيق بنفسة بكتابين ليحكي حكايته مع الزمان والمسرح وهو يغادر العقد الثامن من عمره دون ملل ولا خوف ولا ندم على المعارك بانتصاراتها وخسائرها ولكنه مازال يقف في ردهة “التياترو” ضاحكا مناقشا للكبار والصغار قبل أن يتوجه لحصة تكوين للناشئين أو بروفة إعداد عمل مسرحي جديد مع الممثلين ودون كلل وباستمتاع بالغ يواصل الجبالي ممارسة الفن المسرحي كعملية تغيير مستمر للشكل والأسلوب والقضايا التي لا تتوقف وتخلق في المجال المسرحي نفسه قضايا صراعية بين المتعارف عليه والمقبول والجديد الذي يحفر مسارا وعرا ولكنه بخلق طرقا غير مطروقة! سنترك المجال لكي يتحدث توفيق عن مغامرته بقلمه كما تحدث عبر المشاهد المتنوعة على رُكح” التياترو” في تونس وفي عواصم العالم حيث شاهد الكثيرون المسرح بما يعنيه عنده كما مارسه كممثل وكاتب ومخرج لعشرات الأعمال التي شكلت عناصر من حساسية جيلين من المسرحيين والمشاهدين.

الكتاب الأول بعنوان ” الموازي في أخبار المسرح النشازي بمهملات أخرى” الصادر عن دار نقوش عربية في عام 2024 والذي تم توقيعه ومناقشته في قاعة تدريب “التياترو” مع العديدين من النقاد والمسرحيين من مختلف الحساسيات!

يقدم توفيق كتابه الأول هكذا “لافائدة تُرجى من هذا الكتاب.. فلا هو إضافة، ولا حجر أساس، ولا إسهام نقدي، ولا استفزاز، ولا محاولة، ولا حتى مجرد اجتهاد…! إنه فقط لبعض الذاكرة الخصبة”.. نعتبره خراجا لما وراء عموميات ما يتداوله الإخصائيون في شؤون “المسرح ” الذي تشوبه العموميات والنعرات وأحداث صغرى تخفي الرضا عن الذات والنفخ في أوداج ضفادع “الخشبة”.

الكتاب الأول يحتوي عناصر سيرة ذاتية مهمة من الخروج من “قصر هلال” حيث التعرف على عروض التمثيل الشعبية البدائية خلال رحلات لسوسة لمشاهدة” سيرك عمار” والانتقال في ما بعد إلى العاصمة حيث الدراسة الثانوية ليذهب لمشاهدة عرض مسرحي فرنسي مع الأستاذ) اليهودي) والتلاميذ والانبهار بديكور المسرح البلدي! الدراسة في معهد إعداد المعلمين وهجر التأهل كمعلم بعد مشاهدة العرض الفخم لـ”علي بن عياد” “كاليجولا”! الالتقاء بآخرين من العصاميين (منصف السويسي- فرج شوشان-الفاضل الجزيري-عبد الرؤوف الباسطي-جليلة بكار-الفاضل الجعايبي-رجاء بن عمار-المنصف الصايم-محمد إدريس-رؤوف بن عمر-فرحات يامون) وتكوين حلقات عفوية لدراسة الفن المسرحي. بيان الأثنى عشر ونقد مسرح “علي بن عياد، الهجرة لباريس والإلحاق ببعض مدارس التكوين الحر ثم بعض الدراسة النظرية بجامعة” فنسن “الناتجة عن حركة طلاب وأساتذة الجامعة1968.

محطة هامة في العام1970 هي تكون “مجموعة العمل والنشر الثقافي العربي بفرنسا” من -“الهادي قلة” وعلي سعيدان” و”الهاشمي بن فرج “و”توفيق قيقة” و”راضية الحلواني” و”حمادي بلعرايس” ”ونعيمة المهدي” و”رجاء بن فرج” و”خالد غربال” و”الحبيب المسروقي”- وساهمت المجموعة في إنتاجات موسيقية للـ”هادي قلة” و”محمد بحر” وإصدار أول أسطوانة للشيخ” إمام عيسى ”بعنوان”اتجمعوا العشاق “وإنتاج العمل المسرح” النهارين الآخرين في حياة المواطن “قاسم بن عمار” كتابة وإخراج “محمد إدريس” .غالبية النشاط يدور في دار تونس بالمدينة الجامعية بباريس وكذلك عرضت المسرحية في مسرح بالباستيل وكانت محل انتقاد من الجالية لإنها بحسبهم تشويه لسمعة البلاد! العمل بالإذاعة الفرنسية ثم العوده بناء على طلب الوزير “محمود المسعدي” لتأهيل” مركز الفن المسرحي بتونس” ثم تأسيس المسرح الحر- الجديد ثم الانفصال عن المسرح الجديد والانتقال للإقامة في مصر لعامين(77-78) حيث كانت حركة التجديد في أوجهها (سمير العصفوري في مسرح الطليعة -نجيب سرور في القومي وآخرين).. العودة لتونس ومسرحية “تمثيل كلام “مع مسرح فو (رجاء بن عامر ومنصف الصايم) ثم إقامة فنية في المركز الثقافي الدولي في الحمامات والانفصال عن المجموعة!

المحطة الرئيسية هي تأسيس “فضاء التياترو” والدّخول في صراعات مع الجهات الرقابية “لجنة التوجيه المسرحي “. وكذلك المسرحيين المحترفين خريجي المعاهد الرسمية ودفاع عن العصاميين والتكوين الشخصي .

عرض “كلام الليل” في القاهرة وحصولها على الجائزة الكبرى للمسرح التجريبي وكذلك صدور الدراسة الهامة للناقد المصري “صبري حافظ” من جامعة إكسفورد.. وكذلك لاقت إقبالا في الكويت والتراجع عن تقديمها في قصر قرطاج بحضور الرئيس بعد مفاوضات لتقليصها وإزالة النقد الصريح منها.

يتضمن الكتاب الأول كمية كبيرة من وقائع الخلافات مع الرقابة والإدارة والمخرجين المعاصرين فيما يتعلق بمحتويات الاعمال وكذلك العائد المالي منها وكذلك ترشيح إرسالها لتمثيل تونس في مهرجانات في الخارج!

الكتاب الثاني والذي صدر عن دار نشر الجنوب، وفيه إهداء لروح الراحلة “زينب فرحات” تمت مناقشته في ندوة التوقيع بفضاء التياترو بعنوان” لست المسرحي المناسب” ويتضمن عرضا منهجيّا لمفهوم المسرح الحديث مع توجهات “بريشت ودورنمات وبودلير وماياكوفسكي ويوچين يونسكو وبيكيت وتوفيق الحكيم ومع ” ڤاليري نوفارينا” اكتملت دائرة البحث بتقديم عرض “نوفارينا نو” بحضور الكاتب بدعوة من التياترو.. الدخول لعالم “دينيس ديدو” والمسرح غير الأدبي والتمثيل بالجسد.

تراجع توفيق عن موقفة المشمول في بيان “الإحدى عشر” دفاعا عن مسرح شعبي في مواجهة مسرح “على بن عياد” البرجوازي. إنه يعتذر عن موقفه هذا في الكتاب!

التتبع الجمالي لمسرح “توفيق الجبالي “متواتر التطور نحو المشهديّة غير الأدبية يمرّ عبر أكثر من أثني عشر عملا مسرحيّا أُخرجت بألتياترو في ثلاثين عاما كان توفيق خلالها مخرجا وكاتبا وممثلا أحيانا ونمت تجديداته المسرحية من خلالها وعبرها بالتجريب وليس وفقا لدوغما مسرحية معينة! العديد من أعماله مكتوبة ومطبوعة وعدد منها مسجل ويمكن مشاهدته!

-1978 “مذكرات ديناصور “عن حوار المنفيين لبترولد بريخت إخراج رشاد المناعي إعداد ودرامتوچيا توفيق الجبالي.

-1988 “حاضر بالنيابة” نص وتصور” توفيق الجبالي” وإخراج “بول ارفان “مثلت تونس في مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة.

-1989″كلام الليل” منوعه مسرحية عشر حلقات تصور وكتابة وإخراج توفيق الجبالي وإخراج” سيف رستم”! شارك بها عشرات الممثلين عبر سنوات وعرضت غي عواصم عربية وأوربية عديدة ونالت العديد من الجوائز.

-1992 “فمتلا” تصور وإخراج توفيق الجبالي وسينوغرافيا سيف رستم. مهرجان مسرح الأمم في سنتياغو -معهد العالم العربي-مهرجان مسرح البحر الأبيض المتوسط اسبانيا-مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة-بيت الثقافة العالمية ببرلين-مهرجان المسرح الدولي الأرجنتين-زيورخ سبيكتاكل سويسرا-مسرح الفو ميلانو -مهرجان المسرح الدولي ريو دو جانيرو بالبرازيل

-1994″ويلٌ للممثلين” توفيق الجبالي وهندسة ركحية لسيف رستم عن “المفارقة حول الممثل” لـ”دينيس ديدور”. بمساهمة وزارة الثقافة والبعثة الثقافية الفرنسية.

-1997 “عطيل” عن وليم شكسبير ترجمة جبرا إبراهيم جبرا وإخراج توفيق الجبالي عرضت في تونس وعمان والقاهرة وهولندا والهند.

-1997 “ضد مجهول” إخراج توفيق الجبالي والصورة لـ”محمد شلبي” عُرضت بالتياترو

-2000 “المجنون” لجبران خليل جبران بترجمة أنطونيوس بشير وإخراج توفيق الجبالي والتصور السينوغرافيا لحاتم الفرشيشي ! ثم بمشاركة نوفل عزازة وآمال العويني ومروان الروين ونجيب بن خلف الله وضحى الشاوش وعبير بو عديلة. عُرضت في بيروت ورام الله ودمشق وزيورخ ووهران ومستغانم بالجزائر وكيرالا بالهند.

-2002 “هنا تونس” الكتابة والإخراج توفيق الجبالي مع كتابة جماعية وبدعم من وزارة الثقافة وعرضت في لبنان وسوريا وألمانيا وأسبانيا

-2003 “الفلسطينيين” لـ”جان جوني” تهيؤات توفيق الجبالي وترنيمات نجيب الشرادي عرضت في الأردن وألمانيا وعدة مدن تونسية.

-2004 “كلام الليل يسطو عليها لصوص بغداد“ نص وإخراج “توفيق الجبالي“ وتمثيل توفيق الجبالي مع توفيق العايب .عٌرضت في تونس ولبنان وسوريا.

-2007 “نوفارينا نو” ترجمها للدارجة توفيق الجبالي عن (رسالة للممثلين) لنوفارينا والإخراج بمساعدة عاطف بن حسين ومثلت بحضور المؤلف بمساهمة من المعهد الفرنسي للثقافة مع التياترو.

-2009 “مانفيستو السرور“ احتفالية بمئوية على الدوعاجى تصور وإخراج توفيق الجبالي مع مشاركة غازي الزعابانية ونوفل عزارة المستشاران الأدبيان توفيق بكار وعز الدين المدني.

عُرضت مرتين في افتتاح مهرجان الحمامات الدولي ومهرجان قرطاج الدولي.

-2010 “ “مسالة حياة” مستوحاة من كتابات شكسبير وسوفوكل ويونيسكو ومايكافيلي وأرسطو وكونديرا وآخرين .جمع النصوص والإخراج وتوفيق الجبالي بمساهمة عاطف بالتهاني وهيكل الرياحي وتلاميذ ”ستوديو التياترو”.

-2010 “الناس الأٌخرى” نص وإخراج توفيق الجبالي بمشاركة حاتم القروي وضحى الشاوش وسلمى بن يوسف وعصام العياري.

-2010″أشطح مع القرود” تصور وإخراج توفيق الجبالي بمشاركة نوفل عزارة وشارك في كتابة النصوص مجموعة الممثلين (حوالي 20).

-2011 “الخلوة-1” تأليف جماعي، إخراج توفيق الجبالي بمشاركة معز القادري ونوفل عزارة، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان.

-2013 “كلام الليل صفر فاصل” تصوّر وإخراج توفيق الجبالي بالاشتراك مع رؤوف بن عمر ونوفل عزارة إنتاج التياترو مع معهد قوته.

-2015 “التابعة” نص وإخراج توفيق الجبالي بمساعدة سماح التوكابري مستوحاة من “تابع” لـ “فيليب منيانا” وساهم في الكتابة عياض الشواشي وآمال الرامي.

-2017” “ثلاثين وأنا حاير فيه” احتفالية مسرحيّة بمناسبة مرور ثلاثين عاما على التياترو كتابة وإخراجا لتوفيق الجبالي بمشاركة نوفل عزارة ووليد العيادي وساهم في الكتابة صابر الوسلاتي وعياض الشواشي وتصميم المشاهد لـ”مروان الروين” إداء ثلاثين ممثل من خريجي الأستوديو.. قدّمت في اختتام مهرجان المسرح العربي بتونس .

-2022 “على هواك” إخراج و نصوص توفيق الجبالي مع عياض الشواش وشارك “نوفل عزارة” مع “وليد العيادي” والموسيقى والآداء الصوتي “عادل بوعلاق”.عرضت لأول مرة في افتتاح مهرجان الحمامات .

-2024:ا”لتابعة 2” كتابة وإخراج توفيق الجبالي بمشاركة عياض الشواشي وآمال العويني وتصميم المشاهد لمروان الروين وتمثيل متدربي التياترو.

مدونة مسرحية مٌدهشة طوال ثلاثين عاما كتابة وإخراجا وتمثيلا تشكل رحلة استثنائية من المسرح الأدبي حتى العرض الفرجوي (Spectacle-Show) دامجا فيها عناصر متنوعة من الفرجة الشعبية مع. تجارب المسرح العالمي ودون توقف كل عام هناك تغير في الشكل والابتعاد عن المضامين المباشرة والإلقائية نحو مسرح لا يمكن سماعه عبر أجهزة الراديو ويشمل فنونا بصريّة وأدائية متنوعة هدفها الأساسي خلق الفرح بالفرجة وليس إرسال رسائل أخلاقية أو سياسيّة مباشرة على الرغم من تضمينها في الشكل والإداء وهو ما يحتاج لمناقشة مفصلة لكل مسرحية على حدة فالبعض منها مُصور والبعض الآخر مطبوع !توفيق الجبالي ”يلعب” في المسرح كـ”مسرحجي” وليس كأديب أو فيلسوف طبعا هناك تأثر بكثيرين عبر المراحل الجمالية المختلفة بدءا من مسرح “النو“ والكابوكي” اليابانيين ومرورا بنظريات ”بريشت” و”بيتر بروك” وحتى “آرطو “و”مينشوكين” ومؤخرا الأمريكي الذي حل بتونس مؤخرا “روبرت ويلسون”، وذلك مع دمج عناصر هامة من الفرجة الشعبية والعمل على اللغة الدارجة في غالبية العروض وحتى مع نقد التخلف الاتصالي في اللغة اليومية. التكوين المسرحي للممثلين الهواة الذي يقوم عليه توفيق في “أستوديو التياترو “ تخرج منه العديدون من الممثلين الأكاديميين وغير الأكاديميين (الهواة) والمخرجين اللذين يحملون طابع “توفيق الجبالي” في فهم المسرح كمتعة مشاهدة ومغامرة مستمرة ونقد للأمر الواقع الثقافي والفكري وهو مسرح للمشاهدة وليس نصوص أدبية للاستماع ،وهم يشكلون طاقة إبداعية منتشرة في كل نشاطات العمل الدرامي والفرجة الحديثة والمتجاوزة لنفسها باستمرار عبر الثورة التكنولوجية حتى الذكاء الصناعي الذي ربما يغير كل طرائق الإبداع كما يتوقع الجبالي في مقدمته لكتابه الأخير. توفيق يلعب على الخشبة كصانع للفرحة و”كحرفجي الخشبة “حتى في العروض القاتمة في عنوانها كـ”التابعة” هناك مشاهدة مُفرحة.

spot_imgspot_img