
الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم
لم يكن كنفاني فقط كاتبا موهوبا أثرى الثقافة الفلسطينية والعربية بإنتاج أدبي وصحفي وفير بل أيضا قائدا سياسيا كان عمره في أول الثلاثينات عندما صار عضوا بالمكتب السياسي للجبهة لشعبية لتحرير فلسطين ومتحدثا باسمها ورئيس تحرير صحفيتها المركزيّة “الهدف” وعمل قبل هذا في عددمن الصحف والمجلات اللبنانية كمحرر أدبي لكن هذا لايعطي فكرة واضحة ولايفسر كتاباته عن مساره المعقد والصعب فقد ولد بيافا 1936 لأسرة ليست فقيرة ولاغنية فأباه محامي وأمه لاتعمل و ربة بيت رزقت بعديد من الاطفال مع بداية التهجمات من العصابات الصهيونية هاجرت العائلة لعكا ومنها لسوريا حيث عمل مدرسآ للرسم بعد النكبة في مدارس الأونروا!في الكويت فيما بعد حيث استقطبه” چورچ حبش “لحركة القوميين العرب “ثم في بيروت حتى يوم إغتياله في سيارة مفخخة (1972) مع أبنة شقيقته ليتحول بعدها لأيقونة لمحكيات حركة التحرر الفلسطيني الفلسطينية..كتب عنه محمود درويش وآخرين لينعوه ويتذكروه وفي الآونة الأخيرة نشرت الروائية السورية التحررية المعروفة”غادة السمان ” رسائله الغرامية لها. والتى كانت متزوجة من بعثي معروف هو “بشير الداعوق” صاحب دار نشر الطليعة. بينما كان هو متزوجآ من دانمركية ويعيشان معآ ببيروت التى كان تغلى بكل روافد الأيدلوچيات اليسارية واليمينية. لم يحمل غسان السلاح قط في منظمته بل كان حاملآ للقلم كصحفي في” الحرية” و”المحرر” و”الأنوار” ثم رئيس لتحرير” الهدف” الناطقة بأسم الجبهة الشعبية وللتمثيل للمثقفين والكتاب الفلسطينيين في المناسبات الفكرية.وكان قطاع من حركة القوميين العرب في اليمن والشام قد تحول للماركسيه فليس هناك سور صين يفصل القومية عن الماركسية في بلاد الشام حيث الإنتقال السريع ودون تغيير جوهري في الباراديجم التفكيري مع تغير في القاموس الإيديلوچي.. هو ما نلاحظه خلال نصف قرن .
مساره المعقد والمشابه لجيل كامل من المثقفين الفلسطينيين وربما الشوام أيضآ يشبه ماكُتب عن الشخصية التى و صفها “جبرا إبراهيم جبرا ” في ( البحث عن وليد مسعد) أو مايُشبه مذكرات الشاعر “مريد البرغوثي” رأيت رام الله”. الإفتقاد للوطن والرغبة الهاجسية للعودة إليه ..وهو الأمر الغير ممكن بلا حرب أُخرى منتصرة.
ربما يكون الصحفي ورئيس تحرير اليوم السابع “بلال الحسن”هو الذي عرف محيط غسان كنفاني وعرفه شخصيآ بشكل كافي يسمح له بألتقدير التالي: «عرف غسان كحزبي، وكمثقف، وكصحافي، وكقصاص، وكروائي، ويميل النقاد إلى الإشادة بكل هذه الجوانب في شخصيته، بنوع من التبجيل للشهيد، هذا التبجيل الذي يمنع حتى الآن من دراسة غسان بموضوعية، ومن إعطائه التقدير الفني الذي يستحقه. أميل شخصيا إلى الاعتقاد بأن أبرز ما في غسان هو عالمه الإنساني الداخلي الغني، وقدراته الفنية، أما ما عدا ذلك فهو بالنسبة اليه لزوم ما لا يلزم ».
نصان نستطيع من خلالهما تلمس عالم”كنفاني” وهما رواية “العودة إلى حيفا” والذي نّشرت خلال حياته القصيره (36 عام) والثاني هو الكتاب الذي نشرته الروائية السورية بعد سنوات من رحيله ويتضمن رسائله الغرامية لها بخط يده مع مقدمتها الملتهبة العاطفة.
“عائد إلى حيفا” منشورة ببيروت بتاريخ 1971 قبل إغتياله بسنة وهى تقع في الوسط بين أعماله الروائية بعد مجموعة”موت سرير 12″1961بيروت ومجموعة”أرض البرتقال الحزين”1963-بيروت “ورجال في الشمس”رواية 1963-بيروت ” ماتبقى لكم رواية بيروت 1966،و”أم سعد”رواية- 1968 بعد إغتياله صدر له :الشئ الآخر – صدرت بعد استشهاده، في بيروت، 1980. مجموعة قصص قصيرة. العاشق، الأعمى ،والأطرش وبرقوق نيسان(5 روايات غير كاملة نشرت في مجلد أعماله الكاملة).” القنديل الصغير”-قصص أطفال بيروت. القبعة والنبي( مسرحية).
“القميص المسروق”وقصص أخرى. قصص قصيرة.”جسر إلى الأبد” مسرحية،” الباب” مسرحية 1964 وبيروت 1968.
الرواية هي التعبير الأمثل عن روح كنفاني وقد تم تحويلها لأعمال دراميه في فيلمين ومسرحية ومسلسل تلڤزي! وتمت ترجمتها لعشر لغات على الأقل كتمثيل للمأساة الفلسطينيةبقلم أحد الضحايا..وهى كذلك يمكن إعتبارها كسيرة شخصية للكاتب فأحداثها مشابهة لإنزاحات الكاتب المستمرة من مدينه وبلاد ووسطه الإجتماعي.
شخصيات الرواية:
- سعيد : هو الشخصية المحورية في الرواية، يمثل الفلسطيني الذي اقتلع من أرضه في عام 1948. يعود إلى مدينته حيفا بعد عشرين عامًا لاسترجاع ذكرياته ومعرفة مصير منزله وابنه المفقود.
- صفية : زوجة سعيد، وهي شخصية رئيسية أخرى ترافقه في رحلته إلى حيفا. تعبر عن الأبعاد العاطفية للأم التي فقدت طفلها، وتعيش صراعًا بين مشاعر الأمومة والإحساس الوطني.
- خلدون/دوف: ابن سعيد وصفية الذي ترك في المنزل أثناء الهجرة القسرية. يتبناه زوجان يهوديان بعد احتلال حيفا ويصبح اسمه “دوف”، ينشأ في بيئة يهودية ويعتبر نفسه إسرائيليًا.
- ميريام: المرأة اليهودية التي تبنت خلدون مع زوجها إفرات بعد استيلائهم على منزل سعيد وصفية.
- خالد : الابن الثاني لسعيد وصفية، يمثل الجيل الفلسطيني الجديد بعد النكبة، المتأثر بالمأساة ولكنه يحمل في داخله وعيًا أكبر بالقضية الفلسطينية.حيث ينظر إلى ماضي والديه بنظرة ناقدة ويعبر عن رغبة قوية في المقاومة واستعادة الحقوق، ما يرمز إلى الأمل وتجدد النضال.
- الرواية تحمل ندم مرير تجاه حادثة الرحيل وترك الرضيع ليكبر ويصبح جندي في الجيش الإسرائيلي لايمكن الآن أن يعترف بأبوته..
- في حقيقة الأمر والوقائع هناك 60.00 من سكان تلك البقاع في شمال فلسطين كانوا هناك عند إعلان الدولة ولم يتحولوا لأبناء الإحتلال وبقوا يناضلون سلميآ وفق المحظورات المفروضة ومثلهم مناضلين شجعان كأميل حبيبي وفي الأخير الكتلة العربية التى يمثلها نواب شجعان يدافعون عن بلدهم ووطنهم وأخيرآ فشل الكنيست في أقصاء المناضل” أيمن عوده”عن تمثيل شعبه وهو الذي أعلن في الكنيست أن القهر المستمر أدى لبقاء فقط 6000 منغرزين في حيفا ويقامون التهجير!الإعلان الصارخ في الرواية على لسان” سعيد” أمام المستوطنة التى أستولت على أبنه ودارة”هذا الأمر لن يمكن تقريره إلا بحرب” وهو الخيار الآخر الذي أتخذته المسألة الفلسطينية ومازال محل تنازع عبر حروب ثلاثة كانت نتيجتها بفعل نزع السكان من أراضيهم هو الخسارة الكبرى(النكبة) في إنتظار تبدل عالمي كبير فألصهيونية مرتكزة على تحالف كبير يشمل أوربا وأمريكا بينما العالم العربي مفتت ومتواطئ غالبآ!
- يقف “سعيد غسان” في الوسط بين جيلين ويحاول إقناع أبنه “خالد” بألا ينضم للفدائيين بينما في سريرته يتمنى ذلك بعد العودة المريرة دون حرب.. بين “سعيد المتشائل” الذي يبقى ويناضل بما هو متاح و”وليد مسعود” الخارق للعادة والذي يعود ويترك ورائه النجاح المهني لكي يلتحق بأبنه الذي أُستشهد هناك! ثلاث تصورات تعبر عن ثلاث أجيال من الفلسطيني الباقي والمهاجر والعائد.
- لا يمكن فصل شخصية سعيد عن غسان ولا يمكن إلا تصور ذلك ضمن الأيدلوجية الرومانسية (القومية العربية) والتي أاختبرت خلال نصف قرن دون نجاح. وهي نزعة رومانسية كغيرها من الحركات القومية لها جذورها ونجاحاتها في القرن التاسع عشر وكانت حرب الجزائر هي ذروتها لكن الجزائريين كانوا في أغلبهم باقين في قراهم وجبالهم بينما المهاجرين داعمين في المهجر! كان الجزائريون يحاصرون المستوطنين عدديّا في المدن وأتوا لهم من الجبال ليطردوهم بعد قرن من قدومهم ليعودوا من حيث أتوا من وراء البحار ولم تنفع المجازر التي شنّها الجيش الفرنسي والمستوطنون في تجاوز هذا الوضع!
- الرسائل التي نشرتها “غادة السمان” تؤكد هذا التثبت العاطفي الرومانسي -الحب المستحيل-حب الغريب الذي يبحث عن مرفأ لدى امرأة هي غريبة بدورها.. هو متزوج من مناضلة نرويجية ولديه طفلين منها وغادة متزوجة ولها طفل مع قائد بعثي لم تفارقه حتى توفاه الله قط ..لم نرى ردود” غادة” على رسائل غسان الثى لم تُنشر لكن حكاوي قهاوي الوسط الثقافي في بيروت في ذلك الحين ربما تعطي الانطباع عن توله من طرف واحد( ماسوشي )يُمثل بالنسبة لكاتبها محاولة لخلق انزراع وهمي بعد إنقطاع جذوره في فلسطين بينما كان “وليد مسعود” تحبه كل النساء في منفاه العراقي الذي لا يفارقه فيه حلم العوده والمرأة الوحيده التى احبها في فلسطين وترقد في مصحة عقلية ببيروت!بينما “محمود درويش” يعلن ان” بين ريتا وعيني بندقية” تفصله عنها بندقية!على الرغم من مقدمة العاشقة الولهانة لغسان -في منفاها اللندني – بعد أن أكله تراب بيروت التى لابحر فيها للغرباء.
- تتكرر في الإبداع الادبي الفلسطيني قصص الحب الغير ممكنة والمستحيلة بدون وطن في غيابه تمتلك الأرواح نزعة رومانسية أدبية ونستالوچيا ممرورة، ونلاحظ في رسائل غسان ما نسميه الحب الأدبي الذي هو كألسراب “ساعه يروح وساعه ييجي”!