أجرى الحوار: طارق العمراوي
من هي الفنانة انجي عمارة؟
– فنانه تشكيلية مصرية مواليد الإسكندرية- تخرجت من كلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية قسم النحت عام 2017، شاركت فى الحركة الفنية فى مصر منذ عام 2016. – تتلمذت على يد الفنان المصرى أحمد عبدالوهاب رحمه الله.. – كان أستاذ عظيم وأثر فى حبي للفن وكان من الأسباب الرئيسية التى ألهمتنى لاختيار الفن التشكيلى .. بالطبع كان له تجارب متعددة فى أكثر من خامة للنحت غير تجاربه فى التصوير والرسم، لكن ألهمتنى تجربته فى الخزف وأعماله من الفخار بوجه الخصوص واخترت التشكيل بالطين … –
لماذا الفخاريات كمادة ومضمون لتجربتكم التشكيلية؟
الطين… هو الذاكرة الأولى للفن لا أتعامل معه كمجرد خامة تشكيلية، بل ككائن حي ينبض بطاقة الوجود الأولى. الطين هو البداية، هو مادة الخلق الأولى، وهو ذاكرة الإنسانية التي شكّلت أولى ملامحها الفنية على جدران الكهوف ومنحوتات المعابد. الطين يحمل هذا البُعد البدائي العميق الذي يجعلني أعود إلى جوهر الفن، إلى بساطته وصدقه وروحه العفوية. حين أشكله بيدى و بدون أدوات تفصلني عنه، لأنني أؤمن أن اليد هي الوسيط الصادق بين الإحساس والمادة. كل ضغطة، كل لمسة، هي امتداد لحالتي النفسية، ومرآة لتجربتي الذاتية. هذا الاتصال الحميمي مع الخامة يمنح العمل روحًا خاصة، تجعل كل قطعة منحوتة تحمل بصمة شخصية، تكاد تكون بورتريه داخلي يعكس تقلبات نفسي البشرية ، كما أن التشكيل بالطين له علاقة بغريزة انسانية منذ الطفولة فالاطفال تستكشف العالم حولها بحاسة اللمس .. العمل بالطين هو امتداد لطفلى الداخلى. الطين يشبهنا كثيرًا. هو مرن، يتشكل، يتغير، تمامًا كما تفعل أرواحنا وشخصياتنا مع مرور الوقت. هذه المرونة هي التي تجعلني أشعر أن بيننا وبين الطين حوار روحي، يتجاوز الشكل إلى الجوهر. وربما لهذا السبب، لا أشعر بالغربة في العمل به، بل أجد فيه ملاذًا وتأملًا ورحلة بحثية.
حضرت. المراة في تحفكم الفخارية وكانت العين لغة وتشكيلا ومساحة في قطعكم الفنية الدلالات والرموز وكيف استهواكم ميراثكم الاثري المصري القديم وما هي الالهة والحيوانات المقدسة التي اشتغلتم عليها ؟
-يغلب على الأعمال تأثيرات واضحة بالفن المصري القديم، وبالأخص وجوه الفيوم، وكذلك بالفن القبطي واليوناني والروماني، خاصة تلك التي تنتمي لحقبة الإسكندرية التاريخية. أنا لا أبحث عن محاكاة مباشرة، بل أستدعي هذه الرموز البصرية القديمة لأعيد صياغتها في شكل معاصر ينبض بالهوية والذاكرة. كما ان الطين يعزز احساسى بالتواصل مع الطبيعة وأننا جزء من الأرض وننتمى إليها ويزيد وعينا بتأمل الطبيعة. الوجه في أعمالي ليس تمثيلًا واقعيًا، بل هو استعارة. هو محاولة لالتقاط لحظة شعور، أو تأمل داخلي، أو حتى وجدان غامض يصعب التعبير عنه بالكلمات. أكتشف في ملامح العمل شبهًا مني، وكأن كل قطعة نحتية هي جزء من سيرة ذاتية غير مكتوبة. الطين يعلّمني في كل مرة أن الفن ليس فقط نتاج رؤية، بل أيضًا نتاج صمت وتأمل، وحوار عميق بين المادة والروح. وعن العيون فى الأعمال كرمزية بالنسبة لي العين من أهم أعضاء الجسد البشري ففى العيون ينكشف تاريخ الأشخاص وشخصياتهم وتجاربهم بالحياة وخبراتهم.. العيون لا تعرف الكذب أبدا ومن وجهة النظر الصوفية أن العيون أهم عضو لأنها ستنعم برؤية الخالق بعد زوال الدنيا وهو أجمل ما يمكن أن تراه العين. بالنسبة للميثولوجيا والاستلهام منها فكل منها يعبر عن حالة معينة من تجربتى الذاتية و له علاقة بالشخصية التى استلهمت من دورها التاريخي قديما فمثلا فى تمثال ” نظرة نيث ” نيث إلهة عريقة ومهيبة في الميثولوجيا المصرية القديمة، تجمع بين صفات الحكمة والحرب والخلق، وصورت أيضا وهى تغزل وتنسج بيديها وتُشبه في بعض الجوانب الإلهات الإغريقيات مثل أثينا؛ اختيار نيث كان مثالي بالنسبة لى حيث عبرت عنى بمحاولة مقاومة ذاتى المفقودة وغزلها بالطين من جديد بعد تعرضى لصدمة فقد أخى الأكبر
تجربتى التشكيليه بشكل عام هي عبارة عن امتداد ذاتى لجسدي وروحى اخترت الوعاء الفخاري رمزا للأنوثة الأنوثة هى حال .. حال الاتاحة العاطفية للمرأة.. هل تعيش نساءنا حال الأنوثة؟ وما هو حال الأنوثة اصلا؟ الأنوثة هي أن تشعر المرأة بالخفة ذلك الحضور الخفيف والرقة والابتسامة والتواصل مع نفسها ومن حولها بكل ارتياح وتوازن ومعرفة حقها بأنها خلقت للاستقبال سواء عاطفي أو مادي حينما تعيش المرأة حال الأنوثة الفطري واستحقاقها بالاستقبال تستطيع القيام بدورها فى الرعاية والرعاية هنا المقصود بها رعاية كل شئ ليست فقط مختصرة على الأطفال والزوج بل تشمل الأهل والأصدقاء وحتى رعاية للنباتات أو حيوانات أليفة ورعاية نفسها أولا بكل تأكيد والتعبير عن احتياجاتها بكل صدق وعفوية دون الشعور بعدم الاستحقاق أو الخجل وما يطلق عليه” العار ” بالتعبير عن نفسها أو احتياجاتها .
كيف تقيمون الحركة التشكيلية المصرية والعربية التي اتخذت الفخار والطين كمحمل تشكيلي؟
الفخار والطين في الثقافة المصرية والعربية هما من أقدم الوسائط الإبداعية، تعود جذورهما إلى عصور ما قبل التاريخ. في مصر القديمة، على سبيل المثال، كان الفخار ليس فقط للأغراض اليومية، بل أداة رمزية تُستخدم في الطقوس الجنائزية والدينية. الطين كمادة في العالم العربي أيضًا يمثل الاتصال بالأرض، بالبيئة، وبالهوية الحرفية والروحية. رأيى فى الحركة المعاصرة … هى مهمة جدا لارتباطها بالهوية الفنانون الذين يستخدمون الطين والفخار يربطون أعمالهم بالإرث الحضاري المحلي، ما يمنح التجربة الفنيةعمقًا مفاهيميًا وثقافيًا وأصالة للتجربة وأيضا التحرر من النمط أو الأفكار الغربية فهذا الاتجاه يعيد تعريف “الفن المعاصر” بمنظور محلي، بعيدًا عن القوالب الغربية. وما اتمنى ان ينظر له بعين الاعتبار هو الدعم المؤسسي والتوثيق.. وأيضا غياب التنظير النقدي الكافي من الضروري لخلق بيئة فنية مبدعة تواجد قوي لحركة نقدية حقيقية تعين الفنان على تطور تجربته أو حتى نقلها بشكل واعى للعامة .. والخلط بين الفن والحرفة دون رؤية واضحة: في بعض الحالات، تُنتَج أعمال خزفية أو طينية تكرّر الشكل التراثي فقط دون تقديم قراءة معاصرة أو تجريبية. أو ذاتيه للفنان
هل ترغبون في ربط الحاضر بالماضي وتواصل المد التشكيلي للتماثيل المصرية القديمة والتي تمثل الى اليوم تحفا عالمية ؟
إن الهدف من دراسة تاريخ الفن هو فقط الوعى به لا المحاكاة بل أسعى لتقديم لغة تشكيلية خاصة بي ما أحاول فعله هو دمج بين تجربتى الذاتية و تاريخنا المصري الثري وربط ذاتي بفترات متعددة وأيضا تجذبنى نظرية استنساخ الأرواح وان أرواحنا عاشت فترات زمنية مختلفة ولكنها فقط فكرة للاستلهام الفني والتفكير بها والابداع من خلالها.
ما هي أهم مشاريعكم المستقبلية مع لمحة لمعارضكم السابقة أكانت جماعية أوفردية؟
معرضى الان ” ذاكرة الأرض” هو معرضي الفردي الثاني و هو الأول بالقاهرة بجاليري Access art space بوسط البلد .. العام الماضى
كان معرضى الفردي بعنوان” تيراكوتا” بجاليرى ملك فى الإسكندرية دائما العرض مميز بالقاهرة ومهم ويؤسفنى قول ذلك لان القاهرة هي البلد المركزية .. أتمنى أن تنتهي فكرة المركزية وأن يتاح الفن للجميع بكل المحافظات.. بالنسبة للمعارض والمشاركات الماضية بدأت منذ 2016 بالمشاركة المشهد الفنى فى مصر بصالون الشباب – وغيره من المعارض الجماعية المحلية .. كما شاركت بسمبوزيوم أسوان الدولي لنحت الأحجار وعملي الان بالمتحف المفتوح فى أسوان .. وأيضا حصولي على منحة ساويرس للاقامة الفنية لمدة ٣ شهور بمركز الفيوم للفنون مما ألهمني كثيرا و كانت خطوة كبيرة فى تجربتى حيث تغيرت أعمالي تماما وتعلمت طرق جديدة والتجربة نفسها والانغماس فى البيئة هناك والطبيعة أثر فى تجربتي كثيرا .. ولكن من أجمل فتراتي الفنية وأغناها هي حين اتخذت مرسمًا كفنان مقيم بأتيلية الإسكندرية وتعرفت على فنانين مصريين ساعدوا فى بناء شخصيتى الفنية برؤيتم يذهبون للعمل يوميا بمراسمهم ومدى احترام كل منهم وتقديسه وأمانته لتجربته الفنية هذا ما شجعنى وألهمني وعلمني الانضباط- الامانة – الصدق والاحترام والعمل اليومي وأن ممارسة الفن التشكيلي هي تجربة من أجمل ما يمكن أن يعيشها الانسان.
هل الجامعات ووزارة الثقافة يواكبون عبر النقد الأكاديمي والجوائز و المسابقات الحركة التشكيلية المصرية؟
بالطبع ، كل منهم يقوم بدوره كما أيضا انتشر فى مصر أكثر من مسابقة للفن التشكيلى منها مقدم من فنانين مصريين ومنها مقدم من الدولة وكلاهما مهم بالنسبة لي للشباب فهي فرص لتشجيع الشباب على العمل وإعانتهم على استكمال طريقهم فى الفنون التشكيلية.. ولكن لي رأى متعلق بالدراسة الأكاديمية للفن وهى إعادة النظر فى تقسيم الأقسام الفنية من جديد وإدخال أقسام أخرى مهمة غير دراسة الفن فقط فمثلا.. دراسة النقد لإخراج أجيال تكتب بالنقد .. ودراسة إدارة الفنون art management الإدارة المهنية لكل ما يتعلق بالإنتاج الفني والثقافي. بمعنى إن الشخص أو الجهة المسؤولة عن التأكد من أن المشروع الفني ينجح فنيًا، تنظيميًا، ماليًا، وجماهيريًا. وتشمل أيضا تنظيم معارض الفن التشكيلي ،وإدارة الفنان إدارة المؤسسات الثقافية، كتابة وتقديم المشاريع الفنية للحصول على دعم مادي (منح) وغيرها من التخصصات فهي هامة لخلق بيئة واعية وحركه فنية غنية.