spot_img

ذات صلة

جمع

استعادَةٌ حميمة لِراويةِ المُخَيَّم الشاعر “أحمد دحبور”: “وَلَدٌ وَأشْيَبْ”

الشاعر: هادي دانيال يَكْبُرُني "أبو يَسار" بِعَشْرِ سَنَوات، لكننا وُلِدْنا...

إلى هؤلاء الذين مازالوا يمتلكونَ ضوء الطيبةِ والحكمةِ في قلوبِهمْ

الشاعر: أسامة حمري قصيدةٌ مهداة إلى مصطفى الكيلاني وهادي دانيال.****مُفْعَمونَ...

كرنفالُ المُسُوخ

الشاعر: هادي دانيال زمجرَ البياضُ فارْتَعَدَ الحبْرُكانَ نهاراً صافياًفاربدّوالعصافيرُ قوقأتوالظِّباء...

لعبة “كرة القدم” كصيرورة تَشَكُل “ديانة عالمية”

الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم

“يا لها من مفارقةٍ عجيبة: لم يتوقّف الدّين، منذ القرنيْن الماضييْن عن إضاعة الاعتبار النّسبي الذي كان له في حياة مجتمعاتنا – وفي الآن ذاتِه لم يكفّ، في أعين مُنظّريه، عن اكتساب أهميةٍ مُتعاظمةٍ من حيث الأهمية والعمق لجهة الوظيفة التي يقوم بها داخل المجتمعات. فبالقدر الذي نتخلّص فيه من قبضة الدّين بقدر ما يتبيّن لنا، متى أمعنّا النظر تراجعيًّا، أنّ الدّين كان في حقيقة الأمر دائم الحضور في جهازنا الجماعي”(مارسيل غوشيه)

يرتبط ظهور لعبة كرة القدم كممارسة اجتماعية بالصعود المدوي للرأسمالية البريطانية وتشكل إمبراطوريتها عبر البحار! طبعا كان الناس منذ قديم الزمان يتقاذفون الكرات وأشبهاها بأقدامهم وبأيديهم ورؤوسهم! لكن، اللّعبة كنظام له “كود” وقواعد أتى من إنجلترا ومن الجامعة الأعرق في العلم الحديث “جامعة كامبردج” ومن كلية الملك ذاته.

“كمبردج” لم تخترع فقط الاقتصاد السّياسي والفلسفة الوضعية والمنطق الرياضي في العلم الحديث، بل أيضا كرة القدم وهذا وثيق الصلة بالرأسمالية الإنجليزية.

كان أصحاب المصانع في المملكة المتحدة يكونون فرقا للكرة من عمالهم وكانوا هم نفسهم المدربين وكان هذا هو الأسلوب حينذاك سواء للدعاية للمنتج الصناعي أو لتدريب العمال على اتباع النظام وكذلك لتفريغ غضبهم وجعلهم أكثر انتماءً “للفابريكة” هم وأسرهم وكذلك خلق محيط اجتماعي في المدينة الصّناعية مؤازر للمؤسسة (مشجعين)

حتى عام 1992، أعلى درجة في كرة القدم الإنجليزية كانت الدرجة الأولى؛ ومنذ ذلك الحين، أصبح الدوري الإنجليزي الممتاز هو الأعلى.[2] فشكلت مسابقة الدوري الإنجليزي الممتاز في 20 فبراير 1992بعد قرار أندية الدرجة الأولى الانفصال عن دوري الدرجة الأولى، الذي تأسس عام 1888، وذلك للاستفادة من صفقات مربحة من حقوق البث التلفزيوني. ومن ذلك الحين أصبح الدوري الإنجليزي الممتاز أكثر دوري مشاهدةً في العالم، وهو كذلك أكثر دوري كرة قدم ربحا، وذلك بإيرادات للأندية مجتمعة بلغت 1.93 مليار دولارا في موسم 2007-2008، وهو كذلك صاحب المركز الأول في ترتيب الإتحاد الأوربي لكرة القدم للدوريات من حيث الأداء في البطولات الأوروبية خلال الخمس سنوات الماضية، متفوقاً على الدوري الاسباني والدوري الإيطالي.

وُضعت قوانين كرة القدم في إنجلترا سنة 1863 واستُخدم اسم «كرة قدم الاتحاد

اللعبة عن باقي الألعاب التي كانت تحمل اسم كرة قدم أيضًا في ذلك الوقت، وخصوصا كرة القدم (Rugby).. ظهر مصطلح سوكر في إنجلترا، وكان أول ظهور له في ثمانينات القرن الثامن عشر، اختصارًا لكلمة اتحاد بالإنجليزي وهي “أسوسياشن”. في عالم المتحدثين بالإنجليزية تُستخدم كلمة كرة قدم في المملكة المتحدة في حين تستخدم كلمة سوكر في الولايات المتحدة وكندا. وفي دول أخرى مثل أستراليا ونيوزلندا قد يُستخدم أحد المصطلحين أو كلاهما للتعريف بما يجري على المستطيل الأخضر وتشاهده الجماهير.

كرة القدم هي رياضة جماعية تُلعب بين فريقين يتكون كل منهما من أحد عشر لاعبًا تلعب بكرة مُكوَّرة. يلعب كرة القدم 250 مليون لاعب في أكثر من مائتي دولة حول العالم، وبذلك تكون الرياضة الأكثر شعبية وانتشارًا في العالم. تُلعب كرة القدم في ملعب مستطيل الشكل مع مرميين في جانبيه. الهدف من اللعبة هو إحراز الأهداف بركل الكرة داخل المرمى. ويعُترف بذلك بواسطة صفارة الحكم!

ترعى “نايكي” الآن أقوى فرق كرة القدم، وفي بطولة كأس العالم الأخيرة، 2022، تفوّقت الشركة على “أديداس” في رعاية المنتخبات لأوّل مرة، حيث رعت 13 منتخبًا من أصل 32، واكتفت “أديداس” بسبعة، و”بوما” بستّة، ورعت شركات أخرى قمصان باقي المنتخبات. وترعى “نايكي” كذلك العديد من المشاهير من نجوم الفن والرياضة، بدايةً من مايكل جوردان ونهاية بليبرون جيمس، ومن رافائيل نادال إلى تايغر وودز، وكريستيانو رونالدو لن يكون الأخير، عدا عن الأندية الكبيرة التي ترعاها “نايكي”، مثل “ليفربول” و”باريس سان جيرمان” و”برشلونة”، إضافةً إلى عشرات الأندية الأخرى. بدأ هذا منذ بداية السبعينات عندما أرتدي “مايكل چوردون حذاء نايكي وباعت في نفس السنة منه ما قيمته 170 مليون دولار! فتح حذاء “مايكل جوردين” المجال أمام سيطرة نايكي على السوق الأمريكية والعالمية فيما بعد متفوقة على” أديداس” و”بوما” الألمانيتين! وذلك بسبب رئيسي هو تشكيلها لشبكات التوريد المنتشرة في بلاد آسيا من الصين لفيتنام لبورما وحتى اليابان.

تتفوق شركة “نايكي” الأميركية على جميع الشركات المنافسة في قيمتها السوقية، التي بلغت في شهر آب/أغسطس 2023 قرابة 166 مليار دولار أميركي، متفوّقة على “أديداس” التي تبلغ قيمتها قرابة 32 مليار، و”بوما” في المرتبة الثالثة التي بـ9.8 مليار دولار. ورغم أنها حديثة الولادة بالنسبة للعملاقين الألمانيين “بوما” و”أديداس”، إلا أن “نايكي” تفوّقت عليهما منذ نهايات القرن الماضي.

الفيفاFIFA (الاتحاد الدولي لكرة القدم)

—————————————

ويضم الفيفا 211 اتحادا وطنيّا لكرة القدم الرجالي وكذلك 129 اتحادا نسائيّا. وعدد الدول أعضاؤه أكبر من أعضاء الأمم المتحدة لأنه اعتمد 4عضويات للمملكة المتحدة وكذلك أثنين للصين، وتايوان، وهونج كونج، وماكاو! قام الفيفا في 2022 بوقف مشاركة روسيا الإتحادية في أي منافسات. وكذلك تنتظم الاتحادات في كونفيدراليات على المستوى القاري وهي أمريكا الشمالية والكاريبي وأوربا وأمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا وشركاء الفيفا هم على التوالي أديداس و أرامكو وكوكا كولا و هانداي-كيا

غالبية الفرق الكروية مدرجة في بورصات الأسهم الدولية ويشترى أسهمها القادرون وتبلغ قيمتها السوقية بالترتيب ريال مدريد (إسبانيا) 6.6 بليون ومانشستر سيتي (إنجلترا)6.5 بليون ليفربول (إنكلترا)5.7 بليون باري سان جيرمان (فرنسا)4.4 بليون يوفونتوس (إيطاليا)1.4 بليون وبروسيا درمونت (المانيا) وتأتي الفرق الأمريكية في المراتب السفلى أنتر ميامي 1.4 بليون! وتتراوح بينهم الفرق الأخرى وجميعها معروضة تستطيع المجموعات المالية شراءها ماعدا نادي “ريال مدريد”(الفريق الملكي) الذي يتحكم في ملكيته 90,000 عضوٍ في النادي الملكي!وهو الفريق الاكثر حيازة للبطولات والمداخيل التي بلغت السنة الأصلية حوالي 900 مليون دولار أمريكي!

الديانة العالمية

——————

عندما تدخل سكرتير الأمن القومي الأميركي الأشهر “هنري كيسنجر” ليقنع أيقونة كرة القدم البرازيلي “بيليه” عند اقتراب تقاعده ليستجلبه ليلعب لأحد الأندية الأمريكية لم يكن الدافع رياضا أبدا.. حيث يرى خليفة “ميترنخ” أن اللعبة التي أصبحت تجمع ملايين حول العالم لا يمكن لقوة امبريالية مسيطرة ألاّ تكون طرفا فيها.. منذ ذلك التاريخ صارت لعبة كرة القدم منتشرة في الولايات المتحدة حتى أن فريقها الوطني يصل لنهائيات كأس العالم وقد نراه بعد سنين قليلة حاملا للقلب! كما شاهدنا في القرن الماضي حروبا تشتعل بين دولتين (السلفادور والهندوراس) بسبب خلافات في منافسة كروية وكادت العلاقات بين الشقيقتين “مصر” و”الجزائر” تتأزم بسبب منافسة كروية. وليس انتقال اللاعب الارجنتيني” ميسي “ليلعب لفريق متواضع في “ميامي” مخالفا لذلك على الرّغم من أنّ كرة السلة و”الرقبي” مازالتا اللعبتين الأكثر جماهيرية في الولايات المتحدة!

تسير الإمارات النفطية في الخليج والعربية السّعودية لتضع فوائضها المالية في استثمارات ضخمة في هذا المجال سواء بشراء أندية كبيرة واستجلاب لاعبين مشهورين كـ”رنالدو البرتغالي” و”كريم بن زيما “و”محمد صلاح” وآخرين بمرتبات خيالية! وتمتلك المجموعات المالية الخليجية العديد من الفرق الأشهر في الدوري الإنجليزي والفرنسي والدوريات الأوربية الأخرى!

يتماثل تنظيم “الفيفا” مع تنظيم الكنيسة الكاثوليكية العالمية! هناك مركز عالمي واتحادات قارية ثم اتحادات وطنية ثم نواد! وهذه الهيراركية متماثلة مع طابع تنظيم ديني عالمي تحكمه الطقوس والإمكانيات والمروجين ووسائل الاتصال الاجتماعي.

الكاتدرائيات القديمة يقابلها الملاعب الضخمة والتي يصل استيعابها إلي أكثر من مائة الف مشاهد والفرق لديها أناشيد وأعلام وروابط مشجعين وعلامات تجارية ويقف على رأسها متنفذون يعرفهم كلّ سكان الأرض أو كما قال “يورغن كلوب”: عندما تكون مدرب لليفربول سيعرفك كل العالم!

لا يعرف الكثيرون من هو رئيس الصين، رئيس أقوى اقتصاد في العام، ولا يعرفون أمين عام منظمة الأمم المتحدة مثلما يعرفون من هو مدرب فريق “ليفربول” أو “برشلونة ” ويعرفون عن حياة اللاعبين أكثر مما يعرفون عن نجوم السينما الكبار (أيقونات كروية)! والتشكيل العرقي، للعديد من الفرق سواء المحلية أو الوطنية، أصبح مشابها لعملية العولمة الرأسمالية (فريق فرنسا الفائز بكأس العالم كان له العديد من اللاعبين ذوي البشرة السوداء ..حتى أن “بارك أوباما” -الرئيس وقتها- علق على ذلك بقوله : أنظروا.. رغم ذلك جميعهم فرنسيين!

تستطيع الآن أن تجلس على مقهى في معتمدية “المكناسي” بولاية “سيدي بوزيد” أو في باب جديد بالعاصمة – تجلس على قهوة الجمعية- وتجد شبابا يتناقشون في انتقالات “ريال مدريد” و”ليفربول” ومداخيل اللاعبين وحياتهم الشخصية كأحداث محلية، وكذلك انحيازاتهم مع “برشلونة” أو “ريال مدريد” ومانشستر سيتي” أو “ليفربول” كما لو كانت تدور هي نفسها بين” الأهلي” و”الزمالك” أو بين “الترجي” و”الإفريقي” أو” الوداد المغربي” و”الرّجاء”.. وهلمّ جرا! وهي خلافات في الانتماءات الكروية تصل إلى مستويات التحيز العرقي أو الديني أو القومي وكذلك يجري تواصل هذه التحيزات والانتماءات الخيالية داخل الأُسر والعائلات وهناك مدن وقرى بأكملها متحيزة لهذا أو ذاك من الفرق العالمية!

اللاعبون من مختلف الأصول العرقية والدينية يقومون عند إحراز أهدافهم بإظهار طقوس دينية كالسجود وعلامة الصليب كما طقوس كروية مستحدثة كإشارة تصويب السهم وهم يتبادلون عناصر الإيمان مع الفرق المنافسة ومع الجمهور ويوقعون على “الشيرتات” التي يهدونها وهي بالتوقيع تتحوّل إلى سلعة باهظة الثمن!

كما الديانات السابقة والمعاصرة، تتقاطع داخل الكورة براديغمات أيدلوجيات ومواقع طبقية متنوعة وتفسيرات ينتج عنها صراعات. وأدت العملية التلفزيّة عبر الأثير لجعلها الحدث اليومي المتزامن بين كل البلاد والقارات والإعلانات التلفزيونية ليست سوى وجها آخر للمدى الاقتصادي الدّولي الذي بلغته اللعبة وتدخل المسؤولون السياسيون في توجيها وإدارتها منحها تأثيرا خطيرا في تحديد أنظمة الحكم. لكنها في التحليل الأخير منظمة وفق قوانين السّوق والبورصات الدولية لأنها ببساطة استثمارات هائلة بعشرات المليارات وإنشاءات مهولة لآلاف المنشئات وهيئات دولية وقارية ووطنية وقوانين وجوائز! وتمتلك قاعدة تمويلية وشعبية غير مسبوقة ومتناقضة بين جماهير غفيرة تذهب للملعب ومعلقين ونقاد رياضيين وصحافة، وتعتمد عليها حياة الملايين العاملين في مجالاتها! وحضور الرؤساء والملوك لمتابعة العزة القومية بينما يردّد اللاعبون والجماهير الأناشيد الوطنية ويضعون أكفهم عل مواضع قلوبهم! وكان حضور” الفوهرر هتلر “لـ”أولمبياد برلين1936” بداية الحكاية التي استمرت لتُعبّر عن تعقُد هذا التشابك بين لعبة كرة القدم والقومية ثم سيطرة رأسمال المال على اللعبة واستثماراتها وتشكل ثروات اللعيبة وسيادة أذواقهم فيما يقدمونه من سلع أثناء وبعد المباريات وتحول لاعب الكرة لنموذج النجاح الاجتماعي والمالي وحتى الجنسي!

المرحلة الأخيرة هي الفارقة في تاريخ الكرة -الساحرة المستديرة- والتي بدأت كلعبة في مصانع أنجلترا وتحولت في أمريكا اللاتينية على يد البرازيل والأرجنتين وكولومبيا إلى العالم الثالث لتصل الآن إلى لعبة عابرة للقارات والديانات كرأس المال المالي ذاته وعابرة للأيدلوجيا والطبقات تمتلك كل مواصفات الديانة العالميّة الشعبوية بيمينها ويسارها ووسطها والطور الحالي سيتوسع ربما يصل لترسيم بابا لكرة القدم يتبعه كهنة محليين وتؤدي الملاعب والمقاهي عمل دُور العبادة والأحزاب السياسية والنقابات، و تنظيم علامات أيمان لممارسيها وجمهورها ومعلقيها الأكاديميين وأيقوناتها ومعاركها الدائمة .

spot_imgspot_img