
تحقيق الأستاذ: الأسعد الواعر
تقديم: لم يكن فرحات حشاد بمنأى عمّا كان يجري في الشرق العربي من أحداث كبرى في تلك الفترة الحالكة التي عصفت بالعرب بعد الحرب العالمية الثانية. تأسّست جامعة الدول العربية في 22 مارس 1945، وبمناسبة عيد ميلادها الثاني، كتب حشاد مقالات مكثفة نشرها في الصحف منها جريدة “الزُهرة” الشهيرة. ننشر في “منارات” مقالين نادرين للزعيم الشهيد: أولهما “عيد العروبة” وثانيهما مقال “حياة الشغل في العالم العربي.” نرى في هذين المقالين وطنية حشاد وإخلاصه لعروبته رغم الكونية التي انخرط فيها بما هي كونية الإنسانية التي من حقها أن تعيش في السلام والطمأنينة كما ورد في عديد مقالاته الأخرى. طالب حشاد من السلطة الفرنسية أن تجعل يوم من يوم 22 مارس يوم عيد وطني وعطلة سنوية، لكن أيضا في المقالين ثمّة حكمة أخرى تفطّن إليها باكرا فكر حشاد الوقّاد وهي حكمة ما تزال تنبض إلى اليوم بالحياة مفادها أنّ هذه الجامعة يجب أن تكون جامعة الشعوب العربية وليست جامعة الدول والحكومات العربية: ” والاتّحاد العام الذي أخذ على نفسه تحقيق الاستقلال النقابي لطبقتنا العاملة والذي يؤمن بتوحيد كلمة العملة بجميع الأقطار العربية بعد تحريرها من الاستعباد يُحق له أن يحتفل بعيد الجامعة العربية التي يعتبرها في الحقيقة جامعة الشعوب العربية لا جامعة الدول العربية.”
اخترنا إعادة نشر المقالَين في هذه الفترة تزامنا مع ما يجري هناك في الشرق العربي من مآسي قد تجبر الجامعة العربية الحالية على تحمّل المسؤوليات الإنسانية التي يجب أن تضطلع بها حقا.
الأسعد الواعر
************
عيد العروبة
الزُهرة، 20 مارس 1947
بمناسبة إحياء ذكرى تكوين الجامعة العربية سيكون يوم 22 مارس يوم عيد العروبة[1] وبناء على ذلك فإنّ الاتّحاد العام التونسي للشغل يطلب من كافّة العملة والمتوظفين التونسيين الاحتفاء بهذا اليوم العظيم والمشاركة في المهرجانات التي ستُنظّم بهذه المناسبة كما يرغب أيضا من جميع النقابات المطالبة باعتبار هذا اليوم عطلة رسمية ويجب أن توجه في هذا الشأن المطالب إلى الأعراف وأصحاب المعامل والشركات والإدارات من طرف النقابات والاتّصال دائما بإدارة الاتّحاد لمدّها بالتعليمات اللاّزمة.
فرحات حشاد
حياة الشغل في العالم العربي
الزُهرة، 21 مارس 1947
بالبلاد الإسلامية علامات نهوض في جميع الميادين العلمي والأدبي والاقتصادي والسياسي وليس بالبلاد الإسلامية ولله المنّة والفضل ما بغيرها من تناحر الأحزاب وتطاحن الطبقات ذلك بأنّ الإسلام على ما توالى على ذويه من محن وأصابهم من نكبات متواليات مازال هو القانون الأعلى الذي يُرجع إليه ويعتمد في المهمّات عليه. والحركات النقابية في بلادنا تصطبغ صبغة خاصّة وتسلك غير سبيل سائر الحركات النقابية القائمة على البدل والغير بتبدّل النظم السياسية وتغيير الحكومات الحزبية حسب الأهواء والأغراض وليس معنى هذا أنّها تنافي في أصولها ما تواطأ زعماء الحركة النقابية عليه من الدفاع على الأجير الضعيف لحفظ حقوقه ورفع مستواه المادي والأدبي وتعويده النظام وحسن الطاعة ليكون مجهوده مثمرا ومستقبله زاهرا.
ثم إنّ الاتّحاد العام التونسي للشغل الذي وحّد الكلمة قد غرس في نفوس الشغّالين الاهتمام بكلّ ما يجمع الشمل ويوحّد المجهودات فأصبحوا يتّتبعون بعناية متزايدة ما يجري في العالم ويعملون ليكونوا عضوا حيّا في “الجامعة العالمية للنقابات” حتّى يسهموا بقسطهم في بناء صرح السلام والحرّية وتشييد عهد الأخوّة الإنسانية ونيل السعادة الممكنة في هذه الحياة. والشغّالون التونسيون بالفكر وباليد لا ييأسون من أن يروا دورهم في هذا الهيكل العالمي يزداد مع الأيّام أهمّية بل هم يؤمّلون أن تكون الشعوب الإفريقية التي هي على قاب قوسين أو أدنى من أوروبا ذلك المرجل الذي يغلي دوما واستمرارا، بل ذلك البركان الذي ما زال يرمي بالشرر[…][2] فيقضي على معالم الحضارة ويودي بحياة البشر. أن تكون هذه الشعوب الإفريقية آمنة مطمئنّة راضية عن عيشها مرضيا عنها من كافّة البشر وفي مقدّمتهم الشعوب العربية (رقابة)[3] للطريق يهتدي به الساري إلى المجد ويدرك بفضله غايته: نحن الأفارقة كعرب لا نبغي لعروبتنا بدلا وكعضو من جسم العروبة السليم، لنا الرجاء الكبير في أن نرى في يوم قريب لغة القرءان الكريم من لغات الاتّحاد العالمي بصفة رسميّة فيزداد عزّة وانتشارا وما يدريك لعلّها تصبح وسيلة هداية للعالمين وطريق سعادة للمهتدين إذ لا نحسب أنّ اللغة الاسبانية التي جعلها “اتّحاد النقابات العالمية” لغة رسمية هي أحقّ من لغة القرءان بالاعتبار. إنّ اللاتين من سكان أمريكا الجنوبية هم أثقل من العرب في الميزان الدولي، نقول اللاتين من سكّان أمريكا لعلمنا أنّ اسبانيا التي على رأسها “فرانكو” ما كانت لتثير إلى هذا الحدّ وقد أصبحت في شبه عزلة من العالم الذي ضرب عليها نطاقا من الحصار ليُنزل قادتها من صياصيهم ويأخذ بنواصيهم.
فتقديرنا للجامعة العربية إذن (رقابة) هو أمر ضروري لأن الشعوب العربية قد أصبحت ممثلة في الجامعة العالمية وبفضل العرب مجتمعين (رقابة). ثم إنّ هذه الجامعة العتيدة قد أخذت على نفسها تحقيق ما يصبو إليه كلّ عربي كريم من (رقابة) رشد (رقابة) الذي أصبح اليوم بمثابة الأسّ الذي يقام عليه جميع البناء ونحن كتونسيين لا يسعنا أن نتجاهل (رقابة) (رقابة) وجوب الاحتفال بهذا العيد كعرب بصفة خاصّة. ذلك بان الجامعة العربية التي أخذت في توحيد كلمة العرب في جميع أنحاء العالم، أخذت في تحقيق سعادة الأمة العربية (رقابة) وفي تحرير (رقابة) للطبقات العاملة، إذ العملة في حاجة إلى هذا التحرير أكثر من بقية الشعب. والاتّحاد العام الذي أخذ على نفسه تحقيق الاستقلال النقابي لطبقتنا العاملة والذي يؤمن بتوحيد كلمة العملة بجميع الأقطار العربية بعد تحريرها من الاستعباد يحق له أن يحتفل بعيد الجامعة العربية التي يعتبرها في الحقيقة جامعة الشعوب العربية لا جامعة الدول العربية وإذا كان من برنامج الاتّحاد توحيد كلمة الشغّالين في ضمن كلّ مؤسسة نقابية دولية عموما وكلّ مؤسسة نقابية افريقية وعربية خصوصا. ظهر لنا أنّ احتفالنا بعيد العروبة هو الاحتفال ببوادر تكوين تلك الجامعة النقابية العربية التي نؤمّل منها تحرير العملة بالبلاد العربية من الظلم (رقابة) والتفوّق الرأسمالي الذي طغى على اليد العاملة وجعلها مُسخّرة لفائدته دون اعتبار المبادئ الإنسانية الإسلامية التي يجب أن تكون هي الحَكم القاضي في توطيد النظم الاجتماعية بالبلاد العربية. وإذا ذكرنا الاخوان فإنّنا دائما نقول إننا نستمدّ روح الكفاح الاجتماعي من المبادئ الإسلامية التي لا سبيل للاطمئنان إلاّ متى سادت تلك المبادئ (رقابة) (رقابة) (رقابة) وتكوين الجامعة النقابية العربية إنما هو أمر تطبيقي لهذه المبادئ وبذلك تكون الجامعة العربية قد حقّقت للشعوب العربية (رقابة) سعادتها ورفع رأسها عاليا بين دول العالم وجامعة النقابات العربية ومن ضمنها اتحادنا العام التونسي للشغل قد حقّقت للطبقات العاملة لهذه الشعوب السعادة والرقي الاجتماعي والتمتّع بما يصبو له العامل من حياة كريمة في بلاد عزيزة فخورة بأبنائها العاملين. فلنحتفل بعيد العروبة ولنذكر عيد جمع شتات الأمة العربية بجامعتنا التي لو لم يكن لها من فضل إلاّ تذكيرنا لماضينا وتشجيعنا على الأخذ بطرق العلاج والتصدّي إلى ردّ عدوان الظلمة لكفاها ذلك فخرا ولألزمنا بتأييدها ونصرتها والفخر بها (رقابة) (رقابة).
فرحات حشاد
[1] هي الذكرى الثانية لتأسيس الجامعة العربية ( 22 مارس 1947).
[2] […]: كلمة غير واضحة في الأصل.
[3] (رقابة) : أي كلمة أو جملة حذفتها الرقابة الفرنسية.