spot_img

ذات صلة

جمع

هل نهاية للعولمة؟

الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم عندما فرض الرئيس الأمريكي "دونالد...

أنا أحب إذن أنا موجود: أو الفلسفة والفائض من الغرائز

بقلم الأستاذ: الأسعد الواعر أنا أحب إذن أنا موجود هو...

آنِي.. فِي كَنَفِ “الآنِي”

الكاتب والشاعر: شاهين السّافي يذكر أنها تلقت أغرب طلب...

“أهيم عشقا بأمّ القرى ” لجلال باباي: مراثي الخريطة…

رياض خليف تصفحت هذا العمل كثيرا، مقتفيا خطى كلمات الشاعر...

– هناك اختلاف بين الموسيقى والدين في استعمال الصوت وهناك استحواذ على استعمال الصوت، لأنّ الصّوت طاقة أساسيّة في الجسد.

حاورته: سعدية بنسالم

 الحوار مع عادل بوعلاق، الفنّان وأستاذ علم الاجتماع، وصاحب فضاء أيكار الثقافي والمشرف عليه، حوار على غير مثال، له نسقه الخاصّ وله نمطه الذي اختاره له، لم تكن فيه أسئلة بالمعنى الحقيقي وإن حاولنا أن نضعها علامات لحوار ممكن، كان استرسالا وحديثا يحيل على الفعل والواقع، يكشف عن حياة زاخرة بالإنجاز وعن فكر قادر على تحويل الفكرة المجرّدة إلى أثر حقيقيّ قابل للتحقّق، بل متحقّق فعلا. .

يقول عادل بوعلاّق عن تجربته:

انطلقت تجربتي في الفعل الموسيقي من مكثر، كانت تجربة موسيقية ملتزمة مع بعض الأصدقاء في مدينة مكثر ثمّ دخلت الجامعة، وكان بإمكاني اختيار الدراسة في المعهد العالي للموسيقي لكنّي اخترت علم الاجتماع، وكان ذلك 1988.

ما الذي حمل الموسيقي إلى علم الاجتماع وكان من الأكثر منطقية أن يختار الموسيقي؟

شعرت أنّه بإمكاني التمكن من أدوات الموسيقى في أيّ وقت أريده، وبما أنّي حاصل على الباكالوريا آداب ومتميّز في مادّة الفلسفة، خيرت أن اتّحه إلى علم الاجتماع. وبعد ذلك تحصصت في علم اجتماع الثقافة والفنّ. ثمّ بعد علم اجتماع ذهبت إلى المعهد العالي للموسيقى، وصدقا لم يكن الأمر اختيارا تاما وإنّما فرض عليّ الأمر بعد أن أجبرت على الخروج من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية على خلفية التحركات السياسية وانخراطي في الأغنية الملتزمة.

عدت إلي كليّتي وإلى علم الاجتماع أواخر التسعينات بعنوان ما سمّوه عودة المنقطعين، والحقيقة أنّنا لم ننقطع وإنّما أجبرنا على الانقطاع. حرمنا خمس سنوات من استكمال المسار المعرفي. حصلت على الأستاذية في علم الاجتماع ثمّ اتجهت إلى التسجيل في المرحلة الثالثة (الماجستير والدكتوراه). وفوجئت أنّ جزءا كبيرا من ملفّي العلمي، الذي من المفترض أن يكون محفوظا في الإدارة، مفقود. وعانيت سنة كاملة حتى تمكّنت من الحصول على الوثائق اللازمة للتسجيل في المرحلة الثالثة.

الملاحقات التي تعرضنا لها، لم تكن ملاحقات تقليدية، كانت تضييقا علميا، لا يظهر للعموم. بعد ذلك سجّلت في اختصاص فلسفة الفن، وحصلت على شهادتي العلميّة. وإلى حدود (2011) لم أتمكن من العمل في الوظيفة العموميّة. فكنت أعمل بصفة أستاذ عرضيّ في الجامعة، أو بصفة متعاقد جزئي أو متعاقد حرفي وعملت في أربعة معاهد عليا منها:

المعهد العالي لعلوم وتقنيات الصحّة، قسم تقويم النطق لأنهم يحتاجون المقاربة الموسيقيّة، معهد النهوض بالمعاقين، فقد أحمل تجارب مع الصمّ وحتّى في الموسيقى طرحت مقاربة موسيقية خاصّة بالصمّ. فعملت في ذات الاتجاه مع فاقدي السّمع وبحث في أثر الموسيقى باعتباره معطى فيزيائيا في الأعصاب وفي علاقة بعملية التلقي عند فاقدي السّمع. واعتنيت أيضا بالتوحّد وصوبات النطق (الوكوكة) وكتبت مقالات في الغرض.

لم تجد هذه المعاهد، التي آمنت بما أقوم به، من صيغة لأكون ضمن طاقمها التدريسي إلا صيغة العمل العرضي.

عملت أيضا في المعهد العالي إطارات الطفولة، قرطاج درمش. ثمّ المعهد العالي للمسرح بتونس، عملت معه في صيغة أستاذ متعاقد سنة 2011، لأدرس فلسفة الفن، فوجدتني أميل إلى الجانب التطبيقي العملي في المسرح، فتوجّهت إلى دراسة المسرح حتّى أنجزت أطروحة دكتوراه في العلوم الثقافية اختصاص مسرح.

عندما أرى هذه المسيرة التي قطعتها إضافة البحث في تعلمية التواصل التقني اللا-لفظي، اشتغال على الإماءة الصوتية، من علم الاجتماع إلى المسرح مرورا بالموسيقى فالفلسفة فالتواصل، أجد نفسي أعمل ضمن مسألة واحدة هي السلوك الصوتي الجسدي لدى الإنسان في المجتمع، لدى حاملي الإعاقة، في الفلسفة بين الدّين والموسيقى، وكان مشغلي جمالية الصوت بين الموسيقى والدّين.

في علم الاجتماع اشتغلت على النواح وتشكّل المناحات في تونس، في الموسيقي اشتغلت على مقاربة موسيقية لفاقدي السّمع والعلاقة بين الإيقاع والتلفّظ عند المصابين بصعوبات النطق (الوكوكة، والتأتأة واللّجلجة..)

في المسرح رجعت إلى النواح واشتغلت على السلوك الجسدي الصّوتي النّسوي في النواح وتشكّل المناحات: مسرحة الآتم واعتنيت بالفرق بين المسرحة في المآتم النسوية والمسرحة عند الرّجال ولاحظت أنّ المرأة تنتمي إلى ما سمّيته بالروحنة اللائكيّة المرتبطة بالأرض لا بالسماء عكس التديّن الرّجالي الذي يظهر في مسألة الفقد، الفرق بين الفقد عند المرأة والفقد عند الرّجل. واعتنيت أيضا بمسألة الزّمن، ممارسة الزمن عند المرأة هي واقعيّة جدّا وممارسة الزّمن عند الرّجل تتمّ في فضاءات وهميّة وهنا يمكن أن ننتقل إلى النظر في كيفيّة توظيف هذا المسار المعرفي على مستوى الواقع.

أسّست أوّل الأمر الشركة الدوليّة للصناعات الثقافيّة، وكان ذلك في تلك الفترة التي حرمت فيها من استكمال دراستي في علم الاجتماع، وحاولت أن أحقق فكرة أساسية وهي كيف أصنع آليات خاصّة من نفس آليات المهيمن، فأمارس قناعاتي وأصنع ذاتي المستقلّة. وأتذكر أنّ أوّل عمل أنجزته في هذه الشركة كان “حمائم بيض” وتبنيت مشروع الحمائم البيض في بغض العروض والذي أجبرت وزارة الثقافة بفعل وجود مؤسسة أن تبرمج تلك العروض في بعض المهرجانات ووجدنا مضايقة في المهرجانات، فوزارة الثقافة تبرمج بيد وتضايق بالأخرى. وصلت المضايقات الإدارية إلى درجة أن تشعر أنك في صراع قويّ مع الإدارة.

في 2010، بعثت فضاء “آيكار” الثقافي، ووجدت في هذه السنة بالذات مضايقات عديدة، من إدارة المالية، من إدارة الشؤون الاجتماعية.. وكلّ ذلك لأنّي شاركت مع المعارضة في انتخابات 2009.

وحدث الانفراج 2011، وبدأ الفعل الحقيقي، مع العلم أنّ فضاء آيكار وقع خلعه بصفة ممتالية سنوات 2010،2011 و2012. وأخذ الخالعون كل ما هو تجهيزات حاسوبية.

ماذا أفعل في آيكار؟

إنّي أمارس سوسيولوجيا الفن والثقافة، بعثت مشروعا أسميته مقهى السؤال، يطرح أسئلة التونسي العادية والتي تتغير كلما تغيرت الأحداث، ننزل إلى الشارع، نجمع الأسئلة والتساؤلات، ونستضيف جامعيّا من الجامعة التونسية ونطرح عليه أسئلة التونسي مثلما سمعناها. تشعر أنّ هذا الفعل الثقافي مرتبط أساسا بالتكوين الأكاديمي، علم اجتماع الثقافة والفن أو فلسفة الفن مشروع أجراس في ذاته الذي بدأ سنة 1992، ثمّ أحييته سنة 1999 بعد أن ضيقوا عليه الخناق، ينخرط في المسار ذاته. وها قد بلغنا سنتنا الخامسة والعشرين (25) في تجربة “أجراس”.

إلى جانب ذلك، أذكر حضوري مع الجمعية التونسية “الإنشائية والجماليات”، رئيستها الشرفية رشيدة التريكي، والآن الرئيسة هي منيرة بن مصطفى وأنا كاتب عام الجمعيّة منذ أربع دورات وقد حاولنا أن نكون فاعلين في الساحة الثقافية الفنية من خلال الكتابات حول الفن وممارسات الفنّ. وهي تجربة رائعة إلى حدّ الآن.

حاولنا بهذه الطريقة استثمار ما هو معرفي في ما هو ممارسة واقعيّة عملية، وذلك في توفير المعرفة، ونعتقد أنّ تونس إذا لم تفعل الجانب الأكاديمي المعرفي في الفعل الواقعي والممارسة الواقعيّة فسنبقى نعيش هذه السكيزوفرينيا في مستوى الشخصية التونسية أو في مستوى الواقع التونسي.

هل يجوز لنا القول إنّ التضييقات التي تعرضت لها كانت نافعة من جهة أنها دفعتك للبحث والفعل أكثر وإلى تنويع التجربة فكلّما ضيقوا عليك فتحت بابا لقناعة جديدة تعيشها دون أن تفقد الخيط الناظم بين تلك القناعات على خلاف أشخاص آخرين يحملون المعرفة ويكتفون بالوظيفة؟

لابدّ من التّاكيد على وجود عنصر محدّد في التوجه وهو عنصر المغامرة، في تونس، وعند من اختار الوظيفة وعقلية “مسمار في حيط”، تنقصنا المغامرة. وتنقصنا مسألة أخرى أهمّ بكثير هي تضافر الجهود، عادل بوعلاق لم يتمكن من القيام بما قام به في هذا المسار إلاّ بوجود مجموعة كاملة، مجموعة الحمائم، البيض وأجراس، المجموعة التي آمنت ب”آيكار” باعتباره مشروعا ثقافيّا، مجموعة المختصين من فلاسفة وعلماء اجتماع وغيرهم الذين يمكن أن أذكرهم بأسمائهم.. كلما رأوا في فكرة صدى ما يدرّسونه أو صدى الممارسة المعرفية انخرطوا دون تردّد.

لقد أخرجنا في هذا الفضاء الثقافي الفلسفة من أسوارها، إلى درجة أن الأستاذ فتحي التريكي، فكّر في معهد تونس للفلسفة في وزارة الثقافة لا في وزارة التعليم العالي، فكّرنا في تفعيل علم الاجتماع، وكان أستاذ علم الاجتماع عبد الستار السحباني من الفاعلين في مقهى السؤال، والذي اعتبر الفكرة حين حدّثته فيها ثورة في مجال علم الاجتماع إذ تمكن من الدخول في المجال الثقافي. وطبّقت الفكرة وبرنامجها في ثمانية مقاه شعبيّة في تونس، أردنا معرفة الأسئلة التي يفكر فيها التونسي سنة 2016. فهذا المشروع الذي أحتفظ بأسئلته يمكن أن يمثل مشروع كتاب كامل ينظر في التغيّرات التي حدثت بتغير السؤال عند المواطن التونسي. ولقد طرحت الفكرة باعتبارها برنامجا إذاعيا أو تلفزيّا. أي نخرج إلى الشارع، نجمع الأسئلة وندعو مختصّا للإجابة، فالأجوبة لا تكون بين الكتب وإنما تبسط للناس. إنّا ندعو إلى ممارسة المعرفة في الشارع وذاك كان هاجسنا من البداية. وقد مارست في تجربة أجراس العديد من الأفكار التي تبدأ أكاديميّا معرفيّا وتنتهي أعمالا موسيقية ثقافيّة. والمثل على ذلك مشروعي مخيال الريح مع جامعة قرونوبل، وفيه مقاربة مهمة جدا في مستوى اللغة وفي مستوى الرؤية الفيزيائية لهذا المعطى الطبيعي، الريح، في تأثيره على الصّوت وفي تأثيره على اللغة. لماذا صنعنا اللغة بهذه الطريقة. اشتغلت هلى العلاقة بين الصوت والجسد والريح، حولنا العمل بعد ذلك إلى عمل موسيقيّ ركحيّ وحولناها إلى “فيلم” مع عادل بكري وانطلقت هذه تجربة انطلقت من فعل معرفي إلى عمل فنيّ ثقافيّ.

كان عنوان المداخلة ريح الشهوات أو حرف الحاء، ولماذا حرف الحاء؟ لأني وجدت في حرف الحاء هذه العلاقة بين الريح والحياة والحركة والرحلة، وحواء وحيّة وحبلى. فكانت المقاربة انطلاقا من شكل الحاء. في رسمهن هذا الانحناء الذي يشبه حركة الريح وخاصة الريح اللافحة في الصحراء. حرف الحاء يتكرر في كل هذه المصطلحات وهو معطى على قدر كبير من الأهميّة. فلغتنا العربية هي لغة الحاء باعتباره حرفا حلقيا جارحا متأثرا بهذه الريح اللافحة “الشايحة” وانطلقنا في هذه التجربة حول حرف الحاء، فوجدت نفسي بعد ذلك أكتب قصيدا كاملا حول حرف الحاء. في ثماني صفحات اعتمدت فيه كل المصطلحات الحاملة لحرف الحاء. وفي الترجمة إلى الفرنسية وجدت أن ثمّة قرابة 500 مصطلح في العربية يشمل حرف الحاء في ترجمته إلى الفرنسية يتحول إلى مصطلح يحمل حرف الـ (V) وهي ترسم بطريقة الحاء أنفسهم، فعدت إلى قصص الأنبياء فوجدت أنّ الأديان مشتركة في صورة معينة هي أنّ إبليس بينما كان واقفا أمام باب الجنة، تشكل في شكل ريح فأدخلته الحية إلى الجنة في فمها فوقف أمام آدم وحواء وأغواهما وزينا لهما ان يأكلا من شجرة الحقيقة، الخلد، التفاح فبادرت حواء بالأكل وزينت لآدم فأكل، نقول هنا حواء، حيّة، حبلى، زريعة إبليس، أنا لست مع هذه الأسطورة ولكنها موجودة في المخيال الشعبي.

رسمت هذه العلاقة بين الحاء والريح والحقيقة وحياة الإنسان والرحلة ثم انتقلنا إلى التصوير حتى في الصحراء لاستكمال الفيلم، وسمّي الشريط ريح الشهوات. هذا جانب كن الفعل الموسيقي المرتبط بما هو أكاديمي. (20,59)

مسألة أخرى، عندما قرأت محمود درويش اهتممت بجانب آخر من محمود درويش رأيته غائبا في أغلب الأغاني التي غنّيت، الجانب الوجودي ولذلك توجّهت إلى قصائد درويش الوجوديّة. حيث أجد درويش متماهيا مع ذاته التي لم يفقدها وراء القضية، بل إنّه رسم القضيّة انطلاقا من الرغبة الذاتية أو الوجع الذاتي أو تلك اللذة الذاتية في رؤية الأشياء، في قصائد من نوع تأملات سريعة في مدينة جميلة على ساحل البحر الأبيض المتوسّط، قصيدة الجداريّة، قصيدة في حضرة الغياب، الهدهد… لقد التقيت مع محمود درويش ثلاث مرات ولم يتصوّر أنّ هذه القصائد ستلحّن في يوم ما فاستغرب الأمر وخاصّة قصيد: في حضرة الغياب. أنجزنا مشروعا كاملا أسميناه “في حضرة غياب ما”، التنكير يوسّع المجال ولا يحدّه في نمط مخصوص من الغياب، فكان غياب الوطن، غياب الذّات، الغربة، واكتشفت أنّ شعراء آخرين كتبوا في الغياب، ووجدت أنّ شاعرة كندية في الخمسينات لها قصيدة اسمها حضور الغياب (présence d’un absence)، تختلف القصيدة عمّا ذهب إليه درويش ولكنّ التصوّر العامّ واحد. قدّم المشروع على هامش مهرجان قرطاج 2007. ثم آخر عمل قدّمته واعتبره مهما، مسارات، وهي سيرة ذاتية لأكثر من اسم بمن فيهم: محمود درويش والصغيّر أولاد أحمد وشكري بلعيد حفيظة فارة بيبان ورجاء بن عمّار، سردت سيرهم الذاتية موسيقيا من خلال نصوص لهم غير معروفة، فالصغير أولاد أحمد مثلا، لحّنت له قصيدا غير معروف عنوانه “هذا انا” هو قصيد بسيط وعميق جدا في علاقة بمجلس النوّاب فاقتفيت آثار هؤلاء من خلال مسارهم الذّاتي المسكوت عنه، وقدّم عرض مسارات في قرطاج 2017.

الآن، أعدّ عرضا في مسألة الصّمت، “السكات”، عند المرأة في علاقة برؤيتها للزمن الواقعي والحديث عند الرجال الذي يتمّ في فضاءات الزمن الوهمي الكلام الذي يمارس في الشارع، المقهى، الجامع، الفايسبوك. وكلّ حديث الرجال في هذه الفضاءات هو في مواضيع وهمية لا واقع لها، حتى في حديثه عن واقعه يهرب إلى الوهم، أحاول أن أقدّم هذه المقارنة في إطار فنيّ، فأنجزت مختبرا نسائيّا في الكاف، وتقدّم عرض في مقهى رجالي أبطله نساء، وأخذنا كلّ المصطلحات التي تتعلق بالمقهى الرجالي في حديث الرجال عن النساء في علاقة بالمصطلحات المستعملة (لعبة الورق “الكارطا”، الكرسي، كلّ شي.. (26.05,89)

أوكلت إلى نساء الكاف أن يجمعن هذه المصطلحات وكانت لهنّ جرأة كبيرة وصدمة كبيرة أن وجدن أنّ المقاهي تنتج يوميا ذهنية ذكورية معادية للمرأة، وأنجزنا بعد ذلك عملا ركحيّا للعموم وكانت صدمة كبيرة للجنسين من حجم العداوة الموجودة للمرأة في هذه الفضاءات.

   لماذا أطلقت على هذه الفضاءات مصطلح الفضاء الوهمي؟

لأنها فضاءات خارجة عن البيت عن الزوجة عن الأطفال، عن العالم الحقيقي المرجعي للإنسان الذي هو العائلة، وما دفعني إلى هذه التسمية باعتباري دارسا لعلم الاجتماع، أنّه عندما أغلقت فضاءات الزمن الوهمي زمن الكوفيد أجبر الرجل على الرجوع إلى البيت فصدم بالزمن الواقعي.

وكنّا قد اصدرنا كتاب، ريح الشهوات، سنة 2002، قبل أن يتحوّل إلى عرض سنة 2004. وصدر لنا كتاب جمالية الصوت والآداء الذي كان من تقديم الأستاذ فتحي التريكي، وهو في الأصل كتاب في الفلسفة “جمالية الفلسفة والدّين، حوّلته إلى كتيّب.

في العلاقة بين الموسيقى والدين، وعلاقتهما باستعمال الصوت، هناك اختلاف في استعمال الصوت وهناك استحواذ على استعمال الصوت، لأنّ الصّوت طاقة أساسيّة في الجسد، فالدّين هنا استعمل الصوت للولج إلى تربة الآخر، فالصّوت يساعدنا على تخطّي المساحة الفيزيائية من جسد إلى جسد آخر، ورأينا أن هذا الصوت مؤثر جدّا يؤثر فيزيائيا ورمزيّا والدين في ذاته اعتبر الصّوت واسطة بين الله والإنسان، والموسيقى هي صدى لأصوات الكواكب، وحين نرجع إلى إخوان الصّفا مثلا وإلى بيتاغور نجد أنّ سبعة أصوات موسيقية هي سبعة كواكب. فنلمس قيمة هذا الصوت الذي استعمل في الأديان وهو المادة الأساسية في الموسيقى، فالموسيقى هي مادة الصوت وتشارك الأصوات. وأيضا نجد أنّ الصّوت هو المادة الأساسية للّغة وعدد الأصوات الممكنة هي أكثر بكثير من عدد الأصوات الموجودة في لغة ما. فاهمية هذا الصوت المرتبط بالمعنى في اللغة وبالميتا-معنى الذي توجد فيه الفيزيقا أكثر فتخلق ميتا-فيزيقا مفتوحة، أي على خلاف ما يوجد في الدين من ميتا-فيزيقا مغلقة. الصوت هما هو طاقة تبر هذا الاكتساح للمجال دون حدود، علميا بدؤوا يحاولون تسجيل الأصوات القديمة التي مازالت موجودة في المجال في شكل ذبذبات وتسجيل أصوات الكواكب. إذا تحدثنا عن الصوت فإنما نتحدث عن ذبذبات وهناك عمل كبير في علاقة بالذبذبات الموجودة في الموسيقى والتي تؤثر في نفسية واعصاب البشر لنها مرتبطة بذبذبة معينّة هي ذبذبة (440هرتز) المتضاربة مع الذبذبة الطبيعيّة للأرض (432هرتز)، هناك عمل كبير على المستوى العالمي لإعادة التقدير الموسيقي لـ(432 هرتز)، لأنهم اكتشفوا أنّ هذه الذبذبات إذا عدّلت على مستوى (440 هرتز)، تؤثّر سلبيا على أعصاب البشر ولذل دخلنا في الاستعمال الغبيّ والسريع تحت تأثير هذه الأصوات، وهي أصوات نسمعها في منبهات الهواتف (440هرتز) والسيارات وأبواب المنازل، هناك عودة كبيرة إلى ذبذبات الأرض. أردت أن أوضّح هذا الجدل الكبير بين موسيقى والدين حول هذا المعطى الطبيعي وهذه الطاقة الطبيعية التي هي الصوت. وهي على علاقة بالجسد. ونفرق هنا بين البدن واللحم والجسم والجسد باعتبار أنّا في الجسد نتحدث عن التوافق بين الذهني والبدني.

وكتابي الجديد، مسرحة الإماءة الصّوتية، أطرح فيه أنّ كلّ فعل صتي هو فعل مسرحيّ، فالمسرح يستغل ما هو فيه جانب مسرحي في الإماءات الصوتية.

-تحدّثنا سابقا عن العلاقة بين الصوت والجسد عملية النطق نفسها عند الصبيّ؟

الأصوات والحروف في ذاتها هي مقاربة تصويرية (pictograghique)، هي صورة للجسد في انفعالاته الناتجة عن اللذّة والألم في علاقة بجزء من البدن (التاء) هي فتحة الفم الدال في مستوى الصدر، الطاء في مستوى البطن وكل الحروف المشابهة في اللغة العربية يمكن طرحها في ثلاثة مستويات (تاء/ دال/ طاء)/ (فاء ذال ظاء)/ (زاي/ سين/ صاد) حتى في مستوى رسمها تشبه لهذه الأجزاء من الجسد، ركب ركبه، ونرى أنّ الركبة (relief) أداة ارتكاز في عملية الركوب ومنها أخذت شكلها. إن رسم اللغة يخضع لصورة جسد الإنسان وهذه المقاربة (الرسم)، مهمة جدا لفهم كيف يتمّ نطق الحروف، فنحن لنا تصور انّ نطق الحروف يتمّ من الحنجرة إلى الأنف، في حين أنه توجد أصوات صدريّة وأصوات بالحجاب الحاجز مثل (هاء) وحتى رسمها هي هوائيّة ثمّ أنّ “روح” الحاء ارتباطها بهذا المعطى الروح، في لغة من العائلة ذاتها (العبرية) نجد “روخ” هي الريح والروح هي نهاية الهواء من الجسد وحين تنطق هرف الهاء متسلسلا سينتهي بالحاء، فالحاء هي نهاية الهواء من الجسد. هذه المقاربة هي التي أشتغل عليها في المعهد العالي لعلوم وتقنيات الصحّة حتى نفهم مسالة النطق انطلاقا من الجسد، فتقويم النطق لا يرتبط فقط بالحروف الموجودة في لغة ما وإنما هو مرتبط بالتعبير الصوتي عموما بما في ذلك اللغة باعتبارها عدد أصوات ممكنة.

نعلم أنّ الصوت سابق لرسمه، هل معنى ذلك أنّ واضع، رموز الحروف، كان واعيا بعلاقة الحرف بالجسد؟

   هناك بحوث منها تونسيّة اشتغلت على صعوبات النطق في علاقة برسم اللغة ووجدت فرقا في صعوبات النطق والقراءة في علاقة باللغة، ووجدت فرقا بين صعوبات القراءة والنطق في الفرنسية وصعوبات القراءة والنطق في العربيّة، وذهبت الباحثة التونسية إلى اليابان (رسوم)وأجرت مقارنة بين العربية واليابانية وتوصّلنا إلى أنّ صعوبات القراءة والنطق مرتبطة بالجانب البصري.

لقد ارتبطنا كثيرا بالصّوت ونسينا أن نسبة تقبّل الأشياء بالبصر أكبر بكثير من نسبة تقبلها باللغة أو بالصوت، ف55 ⁒ من المعلومة تصلنا بصريا، 38⁒ تصلنا من نبرة الصوت و7⁒ فقط ممّا يصلنا لفظيّا، ارتبطت ثقافتا بالتلفّظ (أي بـ7⁒) في حين أنّ بقيّة العالم يستغلّ نسبة 93⁒، فيتغلب بالصورة والصوت، وحتّى ما تحدّثت في شأنه في ما يتعلّق بالذبذبات إنّما هو صراع سياسيّ بالأساس، العولمة من بين الآليات التي استغلتها لمضاعفة الاستهلاك اعتمادها على الـ(440 هرتز) حتّى تجعل الأعصاب متوثّبة مقبلة على الاستهلاك وهو ما يؤكّد خطورة ما يحيط بنا.

أتحدّث من منطلق معرفي باعتبار اختصاصي، ورغم ذلك أعتبر غريبا أمام أصحاب الدكاكين المعرفيّة، فعندما أدعو أساتذة من اختصاصات مختلفة، (عربية، علم نفس، علم اجتماع…)، لنعمل معا يستغربون ولا يُقبلون على ذلك، في الوقت الذي يرحّب فيه الأجانب بالعمل، وأجد تقديرا في الخارج، إيطاليا والهند على سبيل المثال، في مقابل اللامبالاة هنا في تونس. لقد أدرك الأجانب الرّهان فعلا ومازلنا مرتهنين لتلك (7⁒) من الثقافة اللفظية، لم نفهم أنّه مع المعنى هناك ما وراء المعنى، ولو عدنا إلى تراثنا الموسيقي فقط، من اللاذقي في القرن الثالث عشر لوجدنا علاقة الموسيقيين بالرياضيات والفيزياء والكواكب متطورة جدّا، ولوجدنا أنّنا لسنا متخلّفين فقط وإنّما نحن نسير بخطى وئيدة نحو الأميّة لا نحو محو الأميّة. إذ نفتقر إلى تسلسل في المستوى المعرفي. إن عدنا إلى إخوان الصفاء مثلا، سنجد بينهم وبين بيتاغور علاقة وطيدة، ولو نظرنا في كتاب علم اجتماع الموسيقي (sociologie de la musique) لماكس فيبير (Max weber) لوجدناه يتحدث في الصفحة الثانية والتسعين عن علاقة العرب بالرياضيات في فعلهم الموسيقي ويقولأنّ تجربتهم توقفت في القرن الثالث عشر لأنها تحولت إلى تجربة غناء لا تجربة موسيقى، فإذا عدنا إلى ابن سينا أو الفرابي نجدهم يتحدّثان عن فنّ الصّوت لا عن اللغة. وارتبطت الموسيقى بعد ذلك، بتأثير الدين وتأثير الغناءبـ(7⁒، ثمّ حين هجمت علينا “الكليبات” لم نعد نهتم بالكلمة وتوجّهنا إلى الصورة لأنّ الغرب عرف من أين تبدأ الأشياء و”مهربيان” واضع قانون (3v) (la communication est verbale, vocale et visuelle ) أصله إيراني يدرس في الولايات المتّحدة، وهذا في علاقة بالمدينة (la cité) وبهندستها فنحن ننتج، بفعل هندسة شوارعنا الممتدّة، العداوة اليوميّة، بالنسبة إليهم ينظمون مدينتهم أوّلا بتصميم الساحة العمومية التي سيلتقي عندها الجميع ما يحدث التفاعل والتواصل الجسدي يوميّا. نحن لا نملك مدينة حقيقية، نملك مدنا ذات شوارع تتوسطها مطبات سرعة تنتج العنف، خرجنا من المدينة العتيقة إلى مدينة الأفراد. من تحدّث عن المدينة بهذا الشكل، وقد أخذها من الثقافة الإغريقية القديمة هو “ارفينغ غوفمان” (Erving Goffman )، وهو كندي يعمل في الولايات المتّحدة الأمريكية، إنّ كل فعل ثقافي فنّي لابدّ أن يخضع إلى مجموعة من المسائل المتداخلة، لقد اقترحت تطبيق مبدأ التفاعل الحسّي (interaction) في المدارس عندا طرحت مسألة الاستشارة الخاصّة بالتعليم وطلبت أن يقع الاشتغال في الابتدائي من (0إلى 8 سنوات) على المحسوس (وجها لوجه، وجسدا لجسد)، أن يرى الطّفل الأشياء ويلمسها، نبتعد ما أمكن أن الرّمز والتجريد فكان التعليق الأوّل الذي سمعته “هاهو بادي الثورة على بكري”.

بيّنت في دراسة من عشرين صفحة، أنّ إدراك الطفل من صفر إلى ثماني سنوات هو نفسه، والنظام التعليمي الحالي يحدث شروخا في تكوين الطفل مما يجعله في قطيعة مع الأشياء حوله لأنه اقتحم الرمزي مباشرة. (اللغة والدين وغيرهما)

غيرت دولة مثل كندا طريقة تدريسها من 2007، إذ تفطّنت إلى أهميّة أن يدرك الطّفل ما حوله حسيّا أوّلا قبل ان يدخل مرحلة الرموز والتجريد، ولذلك هي تعتبر أن المرحلة العمرية من 0 إلى 8 سنوات مرحلة واحدة يتلقى فيها الطفل تكوينا واحدا لا يتجاوز خلق تواصل مادي محسوس بما حوله.

أمنت حصصا في تكوين متفقّدي التعليم الأساسي تعتني بمتعلمي الأقسام الأولى للتمدرس، التحضيري والسنوات الأولى، ووجدت تفاعلا من السادة المتفقدين، لم يطبقه في النهاية إلا أربعة متفقدين في أربع جهات (المهدية، سوسة، سليانة تونس) في حين أنّ عدد الحاضرين في التكوين يناهز 300 متفقّدا.

إنّ الأفكار موجودة، ولكن للأسف لا نجد له صدى لأنّ “العقلية” تقف عائقا وحاجزا أمام التغيير، ولابدّ أن نذكر في هذا السياق كتاب التاريخ الجديد لجاك لوغوف والذي ترجمه الأستاذ محمد الطاهر المنصوري ويطرح تاريخ الذهنيات والسلوكيات، ويؤكّد أن المعطّل الأساسي لمسارات تاريخ شعوب كاملة هو الذهنيات والسلوكيات.

هي مقاربة لتعليم لا تتطلب إلاّ تنزيل التكوين الأكاديمي النظري في اليومي، وتحويل العمل الفكري إلى ممارسة يومية، كيف نحول الفلسفة إلى الواقع؟ كيف نحوّل اختصاص العربيّة إلى عمل محسوس، وكذا الأمر مع علم الاجتماع وغير ذلك من الاختصاصات.

ما توصلت إليه بعد تجربة طويلة في الجامعة، أنّ الباحث يدرس تاريخ الأشياء لا الأشياء في ذاتها. تاريخ العلوم لا العلوم، نحتاج تفعيل العلوم.

هل إنّ الأمر يعود إلى طبيعة المجتمع التونسي نفسه، مجتمع كسول يكتفي بالمجهود الأدنى ويرفض العمل والتغيير؟

أنا لا أؤمن بذلك، أؤمن بأنّ الأمر موكول إلى أصحاب القرار، 2011-2012، سيّرنا أنفسنا، باعتبارنا شعبا، ذاتيا، مجموعة أجراس مثلا، قدّمت سبعين عرضا بتسيير ذاتيّ من الشعب الكريم، يطلبنا البعض من أماكن نائية ونذهب لنجد إعدادا جيّدا ساهم فيه أهالي المنطقة بموارد ذاتية، الإشكال في من يسوس ومن يمتلك القرار انطلاقا من فعله الاقتصادي، بمعنى، أنّ الكثير من الفاعلين الاقتصاديين في المدن يريدون أن تكون مدنهم مدن عبور لا غير، أن تكون مدنا تكتفي بمشاريعهم الصغيرة التي تدرّ عليهم ربحا يرضيهم ولا يرون وجاهة أن تعمّم الفائدة على الجميع، ولذلك تجدهم يسعون بكلّ الطرق للمحافظة على الهيئة التي عليها مدنهم حتّى لا يوجد قطاع جديد في البلاد لا يمكن أن يخلق أثرياء جدد مثل الموجودين الذين لا يفهمون في القطاعات الجدد التي يمكن أن تنشأ.

ما نلاحظه في خارطة الجامعات أنها لا تشبه الأماكن التي توجد فيها، لو انسجمت مع محيطها لغيّرت المكان نحو الأفضل ودفعت اقتصاده، وذاك لا يروق للمتنفذين في المدن الداخليّة، ولنأخذ مثالا على ذلك: في ماي الماضي، أصدرت وزارة التعليم العالي قرارا بحذف الموسيقى من عدد من المؤسسات التعليمية من بينها الكاف، باعتباري أدرّس في الكاف، على اعتبار أنّ الوزارة لا ترى الأمر منطقيّا أن تترك اختصاصا يدرس فيه عدد قليل من الطلبة لا يتجاوز العشرة، تساءلت حينها، من الذي أمر ببعث هذه الشعبة في أكثر من منطقة ثمّ أمر بغلقها؟ كيف لمدير عام أن يبرمج شُعبا دون رؤية في أماكن لن تجد تلك الشعب نجاحا فيها؟ هذا دليل على سوء التقدير وعدم الكفاءة. وإن سألتني البديل أخبرك.

مدينة مثل الكاف عرفت منذ الستينات والسبعينات بنجاح المسرح، رغم أنّ ما يوجد اليوم هو تنشيط مسرحيّ لا غير، مناسبات يتكدّس فيها الناس لعرض ما أنتجوا وانتهى الأمر، وذاك ليس مسرحا، المسرح تكوين وصناعة، وعليه يجب أن تفرد كلّ منطقة باختصاص يشبهها ويجد صدى في محيطها. مثلما كان الأمر في فترة من تاريخ تونس مع التكوين المهني. اذ أسّست المعاهد الفنية، الكاف (1962)، مكثر ( 1963)، السرس (1965)، تالة (1965)، بين كلّ معهد فنّي 30كلم، وماذا يوجد في هذه المعاهد الفنية التي درست في إحداها؟ يوجد 3000 تلميذ، ألف يختصون في التكوين المهني، و200 في التكوين العام، في جناح التكوين المهني (حدادة، نجارة، كهرباء، نسيج ورقن)، ماذا نتج عن ذلك؟ من بين 1962 حتى 1972، وقع تهجير ممنهج لليد العاملة الفلاحيّة نحو قانون 72، فحدث ما يعرف يالشرخ الاجتماعي، في كل مدينة كبرى تجد أحياء هذا لأولاد عيار، ذاك للفراشيش وذاك لماجر.. وإلى يوم الناس هذا يجدون صعوبة في الاندماج المجتمعي في المدن التي ارتحلوا إليها طلبا للعمل.

التعليم البورقيبي، كوّن تكوينا عاما، كانت الكلمة العليا فيه للإدارة التي تكتم على نفس الجميع ب7⁒ لغة. ومازالت معاهد التكوين المهني الموجودة اليوم لا تتلاءم مع خصوصيات المناطق التي توجد فيها، فمدينة مثل مكثر على سبيل المثال، هي أكبر منتج لثمرة “حبّة الملوك” وأول منتج للزقوقو، ما الذي يمنع أن يتوجّه التكوين نحو التجفيف والتعليب وتثمين المنتجات الموجودة وخلق إنتاج متنوع منها، فحبّة الملوك يمكن تجفيفها مثل الزبيب، ويمكن أن تزيّن بها الحلويات، ويمكن أن تسوّق في ذاتها في علب عَرض أنيقة، ويمكن أن تستغلّ بذورها (قلبها)، في علاج الروماتيزم طبيعيّا، ويُسوّق عنق الحبّة (tige)، وهو أغلى من الحبّة ذاتها، لأنه ذو خاصيات طبيّة. وتمّ كلّ هذه الأعمال في شكل ورشات لا غير.

   إنّ كل رقعة في تونس قادرة أن تكتفي بذاتها وتلائم بين التكوين والثروات الطبيعية المتوفرة أو الخصوصيات التي تميّزها. ولكن، إرادة بعض المتمعشين من اليد العاملة الرخيصة تحول دون ذلك.

مع الملاحظ، كلّ ما تحدّثت فيه في علاقة بمكثر أنجزت فيه تظاهرة ثقافية محورها حبة الملوك، وأقيمت مسابقات في أفضل تعليب وأفضل معجون وغيرها، المؤسف أنّ هذه المشاريع لا تستأثر باهتمام رؤوس الأموال التي تستثمر في الجاهز وفي الأيسر، وإدارة مقهى أفضل بالنسبة إلى البعض من بعث مشروع يثمّن خيرات الجهة ويفتح مزيدا من مواطن الشّغل.

هل من مشاريع جديدة لعادل بوعلاّق وفضاء “آيكار”؟

من المشاريع التي اقترحناها، في علاقة بالفضاء الذي نوجد فيه، مشروع “جسر الفنون” وهو مشروع من المفترض أنّ وزارة الثقافة قد وافقت عليه، ولكنّه لم يرَ النور أبدا، ويتعلّق هذا المشروع بالفضاء الذي يوجد فيه “آيكار” فموقف السيارات الذي يوجد حذونا يمكن أن يتحوّل إلى موقف “سينما” والفضاء تحت القنطرة المجاورة يتحوّل إلى سوق للمنتوجات اليدويّة ولا تتجاوز تكلفة المشروع 70ألف دينار، وسيوفّر أربعة مواطن شغل قارّة (موقف السيارات والسوق). فضلا عن تحويل المكان إلى فضاء فنيّ جمالي عوض الروائح الكريهة وانتشار الجريمة في محيطه. ومازلنا ننتظر ونحلم.

spot_imgspot_img