ترجمة المنتصر الحملي
لفترة طويلة، ساد الاعتقاد في عالمنا الغربي بأنّ هناك طبّا واحدا لا غير: هو ذاك الّذي يُدرَّسُ في كلّيات الطّبّ، ويمارسه الأطبّاء العامّون أو المتخصّصون المتخرّجون من هذه الكلّيات، أو يُمارَس في المستشفيات. وقد انتشر هذا الطّبّ الغربيّ في جميع أنحاء المعمورة، وكلّ ما كان يخالفه كان يُعتبر خرافة، وعلامة على التّخلّف، وينبغي القضاء عليه في أسرع وقت ممكن لصالح هذا الطّبّ المهيمن والمظفَّر.
– تعدّد أنواع الطّبّ
ورغم ذلك، فإنّ أنواعا أخرى من الطّبّ كانت موجودة في كلّ مكان، بما في ذلك المجتمعات الغربيّة، ليس فقط مع الطّبّ التّجانسيّ (الأوميوباثي l’homéopathie)، ولكن أيضا على وجه الخصوص مع طبّ الجَدّةِuna medecina della nonna ، لأنّ النّساء كنّ يتناقلن فيما بينهنّ وصفات للأعشاب، واستخدام أنواع معيّنة من النّباتات أو من المنتجات الحيوانيّة بهدف المعالجة والتّعافي. ويمكننا القول إنّه لا يزال هناك في مجتمعنا معالجون يستخدمون وسائل غريبة تماما عن تلك الّتي يستعملها الطّبّ الرّسميّ. وما فتئت علاجات جديدة تولد، في الوقت الّذي تسلّل فيه الوخز بالإبر l’acupuncture، حتّى داخل الطّب الرّسميّ. وأخيرًا، وصل مرابطون من أصل إفريقيّ واستقرّوا في فرنسا.
كما وأنّ هنالك تيّارات مختلفة إلى جانب الطّبّ «المعتاد». فالعلاج التّجانسيّ، الّذي يعود تاريخه فعلا إلى أكثر من قرن، هو علاج محظور ولكنّه مع ذلك لا يزال قائما. وهناك تيّارات طبّيّة جديدة واختراعات وابتكارات علاجية تُستَخدَم على هامش الطّبّ الرّسميّ. هناك تكافل بين الطّبّ الغربيّ والطّبّ الصّينيّ التّقليديّ.
كلّ الحضارات المهمّة الّتي مرّت عبر القرون لها طبّها الخاصّ بها. وهذه الأنواع الطّبّيّة التّقليديّة لم تمت. فعلى سبيل المثال، تتمتّع الصّين منذ آلاف السّنين بخبرة في العلاجات الطّبّيّة، ولا يقتصر طبّها على الوخز بالإبر. الهند أيضا لديها إرث طبّيّ عظيم. وبعد ذلك، يجب أن نتذكّر أنّ بعض المجتمعات الأثريّة الأبعد les plus archaïques لديها بعض المعارف الطّبّيّة ذات الصّلة. إنّه لأمْر مذهل للغاية أن نتصوّر أنّ شعوبا من الأمازون تعرف مزايا النّباتات الّتي لا حصر لها وخصائصها. وأيضا أن نتصوّر أنّ هناك نوعا من الطّبّ الشّامانيّ، أي الّذي يمارسه الشّامان، يستخدم مشروبات معيّنة، مثل الآياهواسكا l’ayahuasca أو غيره، لإدخال المريض في غيبوبة، ومن ثمّة، يحفّزه على الشّفاء.
هذه التّعدّديّة العظيمة في التّقاليد الطّبيّة محتقَرَة وتُعامل على أنّها معتقدات خرافيّة. ومع ذلك، بدأت اتّحادات الأدوية الاحتكاريّة الكبرى في استخدام معارف الشّعوب الهنديّة في الأمازون. ولكنّها لا تستخدم النّباتات مباشرة، بل تأخذ منها المادّة الفعّالة الّتي تحتويها وتحوّلها إلى مادّة كيميائيّة.
يجب أن نبدأ من إذكاء الوعي بوجود تعدّدية وتنوّع، ويجب أن نعترف بأنّ هذا التّنوّع هو ثروة كامنة رائعة للجنس البشريّ.
كان هنود بويبلوس Pueblos في المكسيك، على سبيل المثال، يتغذّون حصريّا على الذُّرَة. وكانت كلّ قرية تطبخه بطريقة مختلفة، إمّا مع الجير أو مع لحاء شجرة. كان علماء الأنتروبولوجيا يعزون هذه الطّرق المختلفة إلى معتقدات سحريّة، حتّى قام عالم أنتروبولوجيا حيويّة بتحليل الجير واللّحاء ومن ثمّ خلص إلى أنّهما كانا يسمحان للّيسين la lysine، أي المنتَج الغذائيّ الرّئيس للذُّرة، باحتوائه من قبل الجسم. كان من الممكن أن يقضي هؤلاء السّكّان لو اقتصروا على طهي طعامهم الفريد في الماء.
لكنّ المأساة هي أنّ الاتصال بين هذه الأنواع من الطّبّ مفقود. ويعود ذلك أساسا إلى أنّ الطّبّ الغربيّ يقوم بإقصاء ما هو غريب عليه. فهو يعتبر نفسه الطّبّ الحقيقيّ الوحيد. بعبارة أخرى، إنّ الشّعور بتفوّقه وقيمته الفريدة هو ما يجعل التّواصل صعبا.
– ما يمكن أن يقوم به الطّبّ الغربيّ
هل هذا يعني أنّه يجب التّقليل من شأن الطبّ الغربيّ الحديث المرتبط بتطوّر المعارف البيولوجيّة والتّقنيات المتعدّدة والمعقَّدة بشكل متزايد؟ أبدا. يجب أن نأخذ بالاعتبار التّقدم المذهل في علاجات مختلف أنواع الالتهابات. كالمضادّات الحيويّة، على سبيل المثال، والعلاجات أو اللّقاحات لمكافحة الفيروسات. ولكن، هنا يجب أن أفتح قوسا صغيرا.
في السّتينيات، ولدت القناعة لدى الأطباء، في وسائل الإعلام وفي العالم الغربيّ، بأنّه كان يجري القضاء نهائيّا على البكتيريا والفيروسات. كانت المضادّات الحيوية تقتل البكتيريات المختلفة، وبدا مرضُ السّلّ من مخلّفات الماضي. اليوم، تلاشى هذا الاعتقاد، لأنّنا شهدنا ظهور فيروسات مجهولة، مثل الإيدز أو الكوفيد -19. ومن ناحية أخرى، ظهرت بكتيريات مقاومة للمضادّات الحيويّة، وكانت المستشفيات هي المكان المفضَّل لتكاثرها. حينئذ، يجب تأجيل الإعلان عن النّصر النّهائيّ للطّب على عالم العدوى والمعتدين الخارجيين إلى أجل غير مسمّى.
دعونا نُشِرْ كذلك إلى تقدم الجراحة المذهل. فاليوم بإمكاننا تغيير الكبد أو القلب، وسيتمّ وقريبا إنتاج قلوب اصطناعيّة. لنشر أيضا إلى اكتشاف خلايا جذعيّة في أجسام الكائنات البشريّة البالغة، أي خلايا نموذجيّة للأجنّة قادرة على إنتاج جميع أنواع الخلايا. ويُطلق عليها اسم «الخلايا متعدّدة القدرات»totipotentes أو «متعدّدة الاستخدامات» polyvalentes لأنّها قادرة على تكوين قلب وكبد وخلايا عصبيّة وما إلى ذلك. هذه الخلايا الجذعيّة تَعِدُ بإطالة الحياة وبشيخوخة غير رذيلة. أذكّر بكلّ هذا للقول إنّنا لن ننكر هنا تطوّرات الطّبّ الغربيّ المتعدّدة، ولكن يجب علينا أيضا أن نُقرّ بالحدود والهنات الّتي تظهر في صلب التّطوّرات نفسها.
اكتشف لوي باستور أنّ بعض الأمراض كانت نتاجا لهجوم ميكروبات، أي بكتيريات، على الجسم. على إثر ذلك، تمّ اكتشاف عدد لا يحصى من الميكروبات المسؤولة عن مَرَضَيْ الزّهريّ والسّل وغيرهما، وكذلك اللّقاحات المضادّة لهذه الميكروبات. ففيم يتمثّل ضعف هذا الطّبّ؟ يتمثّل في أنّ تركيزه انصبّ بشكل أساسيّ على حقيقة أنّ الأمراض كانت نتاجا لهجمات أعداء خارجيين. ممّا لا شكّ فيه أنّ هناك جراثيم تتسرّب من الخارج. ولكن من الممكن أيضا أن يكون هناك قصور في الجهاز المناعيّ: فإذا تمكّن العدوّ الخارجيّ ن اختراق القلعة، فذلك لأنّ هنالك شركاء أو على الأقل نقاط ضعف في الدّاخل هي الّتي تسمح له بالدّخول. إنّه من الخطأ أو النّقص إذًا التّركيز كلّيّا على الخارج، لأنّه يجب أيضًا البحث في العمق عن الأسباب الدّاخليّة. إنّ هذا التّطوّر جارٍ الان داخل الطّبّ الغربيّ نفسه.
– دور العقل
ثمّة خطأ آخر في الطّب الغربيّ هو تركيزه الحصريّ بصفة كبيرة على الجسم البشريّ، أي كلّ له علاقة بالجسد وبعلم وظائف الأعضاء، متناسيا في الوقت نفسه الدّور المحتمل للنّفسيّة. إنّ التّركيز المنصبّ على الجسم البشريّ مرتبط بالفصل الّذي يميّز ثقافتنا بين الجسد والعقل. فالتّخصّص يقوم بتطوير المعرفة، ولكنّه ينحو أيضا إلى حصر المرض في عضو واحد. وهكذا، فهو يعالج الكبد بمنتجات يمكن أن تضرّ بالكِلى، أو يعالج الكِلى بمنتجات قد تضرّ بالكبد. لطالما تمّ التّقليل من أهمّيّة العلاقات المتبادلة بين الأعضاء، كما بين الأجزاء والكلّ.
ما يتمّ تجاهله عندما يتمّ تركيز العلاج على الجسم هو دور العقل. ما ألاحظه هو أنّه لا يوجد في اللّسان الفرنسيّ سوى كلمة واحدة للتّعبير عمّا يقال في كلمتين بلغات أخرى. ففي الإيطاليّة نقول mente e Spirito (أي العقل والرّوح – المترجم -). وفي اللّغة الإنجليزية نقول mind and spirit (أي العقل والرّوح أيضا – المترجم -). وفي الفرنسيّة أقول «esprit»، ولكنّني أعني هنا mente، mind (أي العقل – المترجم -). إنّ دور العقل هو ما يُنسى غالبا. صحيح أنّ طبّا نفسيّا جسديّا قد ظهر، ولكنّه ما يزال هامشيّا، وما تزال الكتائب الكبيرة للطّبّ الغربيّ تركّز كلّيّا على الجسد. هناك اعتقاد بأنّ الجسد هو الّذي يؤثّر على العقل ويجعله مكتئبا، ولكن غالبا ما يتمّ التّغاضي عن أنّ العقل نفسه يمكن أن يؤثّر على الجسد، في الشّرّ كما في الخير. في الشّرّ، مثلا، عندما يصاب العقل بالاكتئاب إثر فجيعة أو حزن أو عقبة لا يمكن التّغلب عليها، فإنّ دفاعات جهاز المناعة تصاب بالوهن. أمّا في الخير، فعندما يكون العقل في حالة نشاط وقوّة، فإنّه يساعد على مكافحة المرض، كما هو الحال لدى المرضى الّذين يتمسّكون بالحياة ومن ثمّة يعزّزون فرصهم في النّجاة.
– فرط التّخصّص موضع تشكيك
يعاني الطبّ الغربيّ من مأزق آخر، هو فرط التّخصّص، الّذي يمكن أن ينحو إلى الانغلاق والانفصال. لدينا أخصّائيون كبار، وجدّ أكفّاء في مجاليْ الكبد والقلب وغيرهما، ولكن التّواصل بينهم قليل. هذه هي الطّريقة الّتي نشهد بها قلبا للتّسلسل الهرميّ. ففي الأوركسترا السّيمفونيّة، يكون قائدها هو من يوجّه الموسيقيين ويسيطر عليهم ويعرفهم. أمّا في مجال الطّبّ، فإنّ الشّخص الذي ينبغي أن يكون القائد، ونعني به الطّبيب العامّ، فقد تمّ الحطّ من منزلته إلى أدنى مرتبة، إنّه «الطّبيب الصّغير». ومع ذلك، فإنّ طبيب الرّيف، عندما كانت هناك حضارة ريفيّة، كان أيضا طبيبا نفسانيّا اجتماعيّا. كان يعرف العائلة وطبائع النّاس. لم يكن يعالج هذا العضو أو ذاك فقط، بل يتدخّل أيضا في حياة المرضى وذويهم. لكنّنا نرى هذا الطبيب يختفي ليحلّ محله الطّبيب العامّ الحضريّ، الّذي تدنّى هو نفسه إلى أدنى مرتبة، فيستقبل المرضى على عجل، وليس لديه الوقت لمعرفة سيرتهم الذّاتيّة.
بودّي أن أضيف أنّ الطّابع التّحليلي والاختزاليّ بشكل خاصّ للطّبّ الغربيّ خلق مشكلة بتركيزه على الجزيئات الكيميائيّة. لهذه الجزيئات في بعض الأحيان أصل نباتيّ. وأفضل مثال على ذلك هو الأسبرين: فحمض أسيتيل السّاليسيليك l’acide acétylsalicylique يُستخرَج من شجرة تسمّى الصّفصاف ويتمّ إنتاجه الآن صناعيّا. إنّ للأسبرين مزايا عظيمة اكتشفناها بفضل الصفصاف. ولكنّ الفكر الطّبيّ لم يهتمّ إلا بالجزيء الكيميائيّ وفضيلته العلاجيّة، دون التّفكير في أنّ مجموع النّبتة المركَّب يمكن أن يعزّز فضيلة الجزيء المستخلَص منها.
علاوة على ذلك، نحن نعيش داخل نظام بيئيّ، على كوكب ذي محيط حيويّ، ونحن مشكَّلون من خمسة وستّين بالمائة من الماء. ونحن مكوَّنون من عناصر وجزيئات موجودة على كوكب الأرض. ونحن نتنفّس، لدينا الهواء. وهكذا نلتقي من جيد بهذه الفكرة عن أنواع الطّبّ التقليديّة القديمة الّتي كانت تعطي أهمّيّة للماء، والسّماء، والأرض، والهواء. نحن موصولون بالكون أحببنا ذلك أم كرهنا. نحن ثمرة مغامرة بدأت مع نشأة الكون، ونضمّ بداخلنا الجسيمات الّتي وُلدت خلال ثواني نشأته الأولى، وكذلك ذرّةَ الكربون الّتي تكوّنت في شمس سابقة على شمسنا. نحن نحمل في داخلنا ميراث الحياة كلّه، نحن جزء من الكون.
المسألة حينئذ هي إعادة تشكيل الكلّيّة المركَّبة الّتي نوجد داخلَها، ونحيا، ونعاني، تارة سعداء، وطورا تعساء. هذا النّقد الموجَّه للتّخصص المفرط لا ينبغي أن يُنسينا أنّ مساهمة الأخصّائيين ضروريّة للرّؤية المركَّبة. يجب أن نكفّ عن تجاهل أنواع الطّبّ المختلفة، يجب أن ندمجها في التّدريس. ولكن لتحقيق ذلك، لا بدّ من معرفة مزاياها وعيوبها.
– الطّبيب ومريضه
قد يكون من الضّروري أيضا أن نتساءل عن الطّبيب. هو أيضا لديه فعاليّة تكاد تكون سحريّة وكاريزميّة. ويعود ذلك إلى حقيقة أنّ المريض جاهل وأنّ الطّبيب، حتّى أصغرهم بين الأطبّاء في الحيّ، تنبعث منه قوّة شفائيّة. فعندما يكتب وصفاته تكون غير مقروءة، وهذه الأحرف غير المقروءة تتمتّع بفضيلة باطنيّة. بإمكاننا القول إنّ جزءا من الشّفاء يأتي من الثّقة. فما هي العلاجات الوهمية؟ هي أنّ المريض لديه ثقة بما يعتقد أنّها أدوية، وهذه الثقة ستساهم في كثير من الحالات في شفائه.
ومع ذلك، يجب التّشجيع على الحوار بين المريض والطّبيب. فالتّعاون يعني اكتساب المرضى الوعي بما يحدث أثناء علاجهم. أعتقد أنّه تقدّما سيحدث مع فقدان السّحر ونهوض الوعي. أنّ هذا هو السّبيل المطلوب كما أعتقد.
– نحو طبّ كوكبيّ
قال ليوبولد سنغور إنّ الحضارة الكوكبيّة يجب أن تكون حضارة أخذ وعطاء، في حين أنّ الرّؤية السّائدة في بلداننا الغربيّة هي أنّنا مقدّمو دروس، أنّنا نمتلك الحقيقة ولسنا بحاجة لتلقيّ أيّ شيء، من زاوية المعارف، من هذا العالم الّذي ظلّ لفترة طويلة يوصف بأنّه «متخلّف»، وبالتّالي الأدنى معرفيّا.
ما يقوله سنغور عن الثّقافة ينسحب أيضا على الطّبّ. فكلّ ثقافة لديها معارفها ومهاراتها وفنون عيشها ولديها أيضًا أخطاؤها وأوهامها ومعتقداتها الخرافيّة. هناك الكثير ممّا يتعيّن علينا نحن الغربيين أن نتعلّمه في نفس الوقت الّذي يجب أن نُعلِّم فيه؛ هذا ما يجب أن يقودنا نحو التّكافل من أجل طبّ كوكبيّ.
سوف نفقد وجهة النّظر السّياديّة، لكنّنا سنكسب وجهة النّظر الإنسانيّة. سيكون علينا أن نتخلّى عن نوعين من الغطرسة. غطرسة المركزيّة الغربيّة، الّتي تعتقد أنّنا نتربّع على العرش الشّمسيّ، وأنّنا مالكو كلّ الحقائق. والغطرسة العلميّة، الّتي تؤمن بأنّ العلم الرّسميّ هو العلم الوحيد وأنّ ما سواه إن هو إلاّ تفاهة وخرافة.
للمضيّ في هذا الاتجاه، يجب أن تكون لدينا القدرة على الرّبط، والأدوات المفاهيميّة للقيام بذلك، وهذا هو بالتّحديد العمل الّذي أردت الاضطلاع به. يُطلق على عملي اسم «المنهج» كي أتمكّن من ربط المعارف بعضها ببعض. وهذا يقتضي إصلاحا تربويّا وإصلاحا فكريّا.
– دروس الوباء
تستحق أزمة فيروس كورونا العالميّة تحليلات أكثر عمقا، ولكن من السّابق لأوانه القيام بها لأنّ البيانات لا تزال غير كافية ومثيرة للجدل. لقد كشفَتْ بعدُ عن سلطان شركات الأدوية الكبرى على القرارات الّتي تتخذها الهيئات الطّبيّة والحكوميّة في العديد جدّا من البلدان.
ومع ذلك، يمكننا أن نتساءل بالفعل عمّا إذا كان البحث الوحيد الّذي استمرّ عاما واحدا عن لقاح مضادّ للفيروس لم يحل دون البحث عن علاجات لهذا المرض. كما يمكن أن نتساءل عمّا إذا كان امتياز المتخصّصين في الأمراض المعدية الّذين يعتمدون على إحصاءات، بالمقارنة مع الأطباء الممارسين الّذين يعرفون مرضاهم بشكل ملموس، له ما يبرّره. نظرا لأنّنا لا نحوز اليوم إلاّ على معطيات متناقضة وغير مؤكَّدة، فإنّ أي توليف ذي صلة يبدو سابقا لأوانها. ولكن يبدو أنّ الوباء عزّز النّهج التّجزيئيّ والتّخصّص المغلق والقياس الكمّيّ.
نحن نشهد بداية سيرورة حضاريّة عميقة، ولأنّ الطّبّ على وجه التّحديد يمسّ الجزء الأكثر حميميّة فينا جميعا، وأعني بذلك صحّتنا وحياتنا وموتنا، فهو يتنزّل في صميم مشاكلنا الوجوديّة. ولهذا السّبب أعتقد أنّنا إذا تقدّمنا نحو هذا التّكافل الكوكبيّ، فسوف نحسّن فهمَنا للآخرين، ومعاناتهم، ومخاوفهم، وكروبهم، وحبّهم، وسعادتهم.
جزء من الفصل الرّابع من أحدث كتاب أصدره إدغار موران تحت عنوان: …Encore un moment، منشورات دينوال، جوان 2023. تصدر ترجمته قريبا عن دار سبعة للنّشر والتّوزيع.