
طارق العمراوي
تشهد المملكة العربية السعودية فعاليات ” بينالي الفنون الإسلامية” والتي انطلقت يوم 25 جانفي وتتواصل الى حدود شهر ماي 2025 وقد تم التحضير للنسخة الثانية عبر الانفتاح على المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لإثراء المشهد والشواهد التي تجاوزت 30 مؤسسة و 20 بلد عبر استقدام أثرياتهم و ممتلكاتهم التاريخية و ثرواتهم ذات الطابع المادي واللامادي وتوزعت هذه النسخة على سبعة أقسام اولهم البداية ثم المدار فجناح المقتنى والمظلة وجناحا المكرمة والمنورة والمصلى
تحت عنوان” وما بينهما” كدعوة للتفكر في الأبعاد الروحية لهذه المقتنيات وتحديث القلب والعقل والوجدان في رؤية قدرناها كالآتي:
“وما بينهما “عموديا وأفقيا انطلاقا من البعد الديني- التعبدي طبقا للآية القرآنية الكريمة” الله الذي خلق السماوات والارض وبينهما”.
فعموديا عبر علاقة السماء بالأرض فالسماء صاحبة النصوص التوجيهية والعبادة والأرض للتدين والتعبد عبر عدة أشكال ومضامين ومظاهر خاصة وأن هذه الأرض المباركة بها العديد من المعالم الدينية و التعبدية العديد منها لها رمزيتها و أبعادها الدينية كمكة المكرمة والمدينة الشريفة بمساجدها ومعالمها الدينية العديدة فهذه الأرض تفرض عليك التفكر والانغماس الروحي والتصوف فيها.
أما أفقيا فهي أرض- أرض فمن أرض الإسراء والمعراج إلى أراضي السواد والفرنجة وبلدان ما وراء البحار السبع تم استقدام العديد من المقتنيات كثروات أثرية وتاريخية لهذه البلدان مع ممتلكات خاصة كمجموعات فنية ومجموع هذه الثروة توزع بين المخطوطات في علم الفلك وأصول الهندسة وخرائط العالم وكتاب في المخروطات والعديد من الفخاريات المزخرفة والبلوريات واللوحات الحجرية والمسكوكات القديمة والعاجيات وعلب المجوهرات الفاخرة ومقابض الأبواب والتيجان الرخامية والألبسة الفاخرة والأسلحة كالخناجر والسيوف والأباريق والأقنعة والاطباق والمباخر والدروع المذهبة والفوانيس البلورية والآلات الموسيقية والمصاحف وستائر باب الكعبة وكسوتها ومفتاحها وميزاب الرحمة…
مع انجازات تشكيلية للفن المعاصر كبوابات ناعمة لحياة أسامة وسبعة أعمدة وذاكرة التحول وبين كل سماء ومغناطيسية لأحمد مطر كما تزين الفضاء الخارجي في جناح المظلة بالعديد من نماذج الحدائق الاسلامية التي غيرت المفهوم وأدخلت المسائل البيئية وعديد المؤثرات الأخرى في الاخراج عبر رؤى خاصة وجديدة لأصحابها لقيت الاستحسان من طرف الهيئات المنظمة ثم الضيوف كنافورة الوسائط لأنهار سالم وزهور قطف لآلاء يونس مع آلة قلب المناظر لتمارا كالوا.
كما اجتهد اصحاب المصلى في استغلال الثروات الطبيعية لإنجاز مجسم اعتمد على النخيل وفي توزيع نوعي مميز لبيت الصلاة وحضر الجمهور الاعلامي والمهتم لعده ندوات منها الحديقة الإسلامية وخريطة المدار والفن الاسلامي في رحلة بين الماضي وما بينهما وكأن الزائر يدخل في البداية مع مكة المكرمة وستائر كعبتها وروحانياتها ليواصل مسيرة الانسان في تفاعله الجدلي مع الطبيعة والتدين والتفكر والتعلم والعلوم ومنجزاته الحضارية ليختم الزيارة بالعودة للمكرمة والمنورة والمصلى وهي حلقة تكون النهاية فيها شبيهة بالبداية وهو تصور اشتغل عليه القائمون على هذه النسخة المميزة من بينالي الحضارة الاسلامية والتي شدت انتباه كل من حضر وواكب حصص الافتتاح كما أمن الافتتاح تفسيرا وتعبيرا وتقديما وتحليلا العديد الأسماء التي ساهمت في تأثيث الأجنحة ومنها سارة العبدلي وشادن فهيم وأمينة ذياب وماسة الكتبي وعلا آل سطري ونتالي رشيد ومهند شنو وغيرهم ليزور الحضور بعد ذلك وخارج التظاهرة الرسمية مركزين ثقافيين هما “حي جميل” وهو أول مجمع فنون وإبداع من نوعه في مدينة جدة ومن مهامه ورسائله رعاية ودعم الطبيعة المجتمعية للفنون عبر طيف واسع من التخصصات في مكان واحد كاحتواء المكان على أروقة فنون ومركز” فنك” كأول مسرح مجتمعي في المملكة يقوم بتطوير المواهب والمحتوى السعودي والسينما وعروضها كأهم الفنون البصرية كما ضم حي جميل معرضا عنوانه ” ذكريات الخيوط ّ:عن التطريز الفلسطيني” وقد احتوى على عديد الملابس الفلسطينية النسائية والحلي ذات الطابع التقليدي الذي يميز عدة جهات و مدن فلسطينية مع صور شمسية ولوحات تشكيلية وفنية لفنانين فلسطينيين ويضم “حي جميل” 22 مقرا وثانيهما ” أثر” كمركز به ديكورات عديدة تبرز تراثيات البلد كالطاولات والكراسي والصناديق والخزانات الخشبية مع تشكيلة فساتين نسائية تقليدية سعودية ومكتبة كتب وآلات سينمائية وصور لأفيشات الأفلام مع صور لممثلين كبار و3معارض تشكيلية منها “رجل مسلم” لرامي فاروق و”شتاء” لأيمن يسري ديدبان و”نفس” للولوه اليحيى مع مجسمات خشبية ومعدنية وعلى محامل أخرى .
ان النسخة الثانية لبينالي الفنون الإسلامية يعد رقما كميا وكيفيا في تاريخ التظاهرات العالمية لفقراته ذات الخصوصية المعرفية والمضمونية والتي كانت ثمرة عمل جاد يحمل رؤية تنظيرية حكمت فعاليات التظاهرة إذا علمنا أن الهيئة المديرة استقدمت العديد من الكوادر الوطنية والعاليمة لإنجاح هذه النسخة الثانية التي مازالت تثير التساؤل حول مضامين أجنحتها السبعة.