spot_img

ذات صلة

جمع

هل نهاية للعولمة؟

الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم عندما فرض الرئيس الأمريكي "دونالد...

أنا أحب إذن أنا موجود: أو الفلسفة والفائض من الغرائز

بقلم الأستاذ: الأسعد الواعر أنا أحب إذن أنا موجود هو...

آنِي.. فِي كَنَفِ “الآنِي”

الكاتب والشاعر: شاهين السّافي يذكر أنها تلقت أغرب طلب...

“أهيم عشقا بأمّ القرى ” لجلال باباي: مراثي الخريطة…

رياض خليف تصفحت هذا العمل كثيرا، مقتفيا خطى كلمات الشاعر...

“مابعد الحداثة” المتحولة

الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم

الحداثة(modernisme) هي محاولات لتسمية ماحدث بعد حدوثه ؛ فما حدث في بقاع معينة من العالم تبعتها بقاع أخرى هو إنفصال المدينة عن الريف والصناعة عن الحرف والعلم عن السحر والفرد عن القبيلة وتشكل نواة النزعة القومية واللغات الخاصة بكل تكوين وكذلك الأدب والفن والعمارة الحديثين! لم يكن هذا حدث عالمي بل كان أوربي ثم تبعته امم أخرى بأشكال مختلفة ولم تكن عملية الإستعمار سوى التعبير عن تفوق الجديد على القديم وإكتساحه ثم إستغلاله في التراكم الأولي للثروات الإمبراطورية، كان إستعمار الأمريكتين عامل حاسم في تعجيل سيطرة الحديث حيث أن العالم الجديد لم تتواجد به طرق الإنتاج الإقطاعية وبالتالي لم تحدث فيه مقاومات كبرى للحديث بل كانت عملية إفناء الشعوب الأصلية عمل عسكري مكتمل البشاعة ولم تتواجد مسكنة غير ممكنة بين قبائل تعيش على الطبيعة ومستعمرين يستغلونها ويؤسسون لتغييرها.

لم تتولد المفاهيم الحداثية إلا بعد حدوث العملية نفسها بقرون وهو ماظهر في كتابات فلسفية وادبية وإداءات فنية فالتنوير والإصلاح الديني هي حركات بدات بعد بزوغ الحداثة كواقع إجتماعي متصل والثورات السياسية والإجتماعية كانت حركات تدفعها التكيف المؤسس مع الحداثة الواقعية وكما يعبر فتجنشتين بدقة( حتى الكتب المكتوبة بكل صدقية قد تصبح بلا فائدة تُرجى لإن الناس كانت لديهم اشياء اخرى يفعلونها غير كتابة الكتب) يحدد التسارع الزمني المكاني طرق التعبير والفكر في كل عصر والحساسية الجمالية للأشياء والمنتجات وحتى للوجود الفيزيائي للكائنات !وكان المحرك الآلي البخاري هو فاتحة العصر الحديث والإنتقال لقياسات جديدة للجهد والمعنى كان المكان الأقطاعي ثابت ثبوت القرية وكان زمانها متعلق اساسآ بالشروق والغروب وما بينهما!كان مراقبة ساعات محطة قطار زيورخ لتحديد مواعيد وصول القطارات للمحطات التالية هو الدافع لنظرية النسبية ومتابعها من تغير للمنظور والوقت !
لا يوجد حداثة واحدة فهى كمفهوم زماني-مكاني هناك الحداثة الإيطالية في الممالك التجارية في القرن الرابع عشر الإنجليزية في القرن السابع عشر لاستكمالها في امريكا القرن الثامن عشر ولكن هناك حداثات يابانية وروسية في القرن التاسع عشر وحداثته مبتورة في المستعمرات البريطانية والفرنسية في القرن العشرين!وبألإمكان التعرف على حدودها بزيارة القديم والذي يعيش بيننا في الفيلي والقرى البعيدة عن المراكز التجارية والصناعية!

الثقافة الحديثة تشعبت في الفون والآداب والفلسفة والألعاب الرياضية وكلها كان محورها الفرد ونظرته للأشياء وتفسيره للأحداث في ظل توسع العلوم التجريبية والتى شكلت منطق الفهم الحديث للعالم خارج السحر والاساطير!وجمع الوعد بألإزدهار الدائم وبالتقدم والعقلانية الشخصية والمؤسساتيه التى كانت قاطرتها المدرسة والجامعة والبيروقراطية والصحافة و المطبعة التى أخرجت الأفكار من المناقشات المغلقة للمجال العام!والت كان او مخرجاتها الكتاب المقدس (جوتنبرج)والذي ساهم ترويجه في الإصلاح الديني ويعتبر مبحث “آدم سميث”( ثروة الأمم) إنجيل العصر الحديث بإمتياز.

الإنحراف لتحديد الحداثة كالحالة الذهنية والعقلية لعصر معين في بلد معين وإغفال الأساس المادي في تطور الإنتاج ووسائل العيش هو مانسميه المثالية حيث ان الاطروحات الفلسفية والعقلية هى القاطرة التى تقود التاريخ وليس الشروط الواقعية ونعتبر الأطروحات الثلاث عشر حول فيورباخ لماركس )يصنع الناس تاريخهم في شروط ورثوها عن القديم) ولهذا يظل الصراع بين القديم والحديث متجدد طالما وجدت مساحات لطرق العيش القديمة وتشكل مفاهيمها.

المحرك البخاري هو الآداة الفاعلة في بزوغ الحداثة والتصنيع ونوال النسيج الميكانيكي والقاطرة البخارية كانتا ثماره وتحول الفلاحيين لعمال في مناجم الفحم ونساحين في ورديات منتظمة يتلقون اجور معلومة وتكون نقاباتهم وجمعياتهم بجانب نوادي الصناعيين وكذلك عملية بناء المدن النمطية لايوائهم وأسرهم غير معالم وتخطيط المدن القروسطية(السكن الأسري – السكن العائلي) التى كان مركزها دور العبادة يجاورها الأسواق الريفية الأسبوعية! (سوق الجمعة -سوق الأحد).

زبدة القول :الحداثة هي المجال الثقافي للرأسمالية وتشكلت بإيقاعات متفاوتة في بقاع مختلفة ثقافيآ في العالم الحديث وبقيت بقاع أخرى بمعزل عنها حتى إكتساح الإستعمار وتساكن الحداثة مع أنماط إنتاج و موروثات ثقافية قبل رأسمالية تنازعت معها ودمجتها فيما يسمى التشكيلة الإجتماعية والثقافية !فبينما كانت الصناعة الكبيرة في روسيا بقى الريف الروسي يرزح في القناني وبينما كان يُكتب الحداثي لوناتشارسكي ديستوفسكي كان هناك أيضآ تولستوي الزراعي اليوتوبي ومتى بعد الثورة كان المستقبلي والرعوي يسنين!هذا هو التطور المركب في الرأسماليات الطرفية!وكان محاولات تجاوزه بفل اليد القوية لآلة الدولة سواء كانت الفاشية أو الستالينية مع الإختلاف في القاعدة الإجتماعية لكليهما.

ثلاثة قرون من التوسع الرآسمالي لم تنتج عالم منسجم وتحقق وعود الحداثة في التقدم وآنتهى الأمل والتفاؤل في خنادق الحرب العالمية الأولي لتظهر النزعات التشاؤمية في الفلسفة والأدب” شوبنهور-فيتجنشتين- نيتشة -كافكا”وفي التشكيل تبدأ التشويهات للوجوه في التكعيبية (براك -بيكاسو) وتكون السوريالية المحاولة التالية للخروج من الوعي الحداثي وتبدأ في عمارة الأسلوب الدولي” لوكوربوزيه”!
حرب عالمية آخرى تعطي قبلة الحياة للمدى الحداثي الذي سقمت روحه ولتصبح الحداثة إمبريالية بألوجود والمعنى بعد إنتقال محورها للعالم الجديد وبقيت القارة العجوز تراجع ملفاتها التحررية ولكنها صارت تابعة تمامآ لمحرريها من اليانكي اللذين لم تكن الحداثة الكلاسيكية ذات مفعول حاسم في تكونهم فلا كاتدرائيات رينيسانس هناك ولا سيمفونيات ولا باليه فيينا وباريس ولا تاثيرية نهاية الحلم الأوربي! هناك ناطحات السحاب والچاز والعرض والمونتاچ السينمائي والرؤساء المتهورين متساكنآ مع ثقافات “ريفية المزارع الكبرى” وراعي البقر الذي يمتطي جواده أو سيارته( الفورد) وحده مخترقآ الحدود لا مكان فقط يتحرك بسرعة باحثآ عن مناجم الذهب!

لأن الحداثة والمحتوى الثقافي لها أوربي الأصل مثلها كتاب عظام (دانتي و شكسبير وجوته وسيفرناتس ودستوفيكي وشعراء كبودلير واليوت ورسامين كرمبرانت وجويا ومونيه وفلاسفة ككانت وهيكل وراسل وفولتير..الخ)..فإن المابعد حداثة امريكية بالطبيعة.

“لنتعلم من لاس فيجاس ” روبرت فنتوري هو البيان الإفتتاحي للمعماريين المابعد حداثيين واللذي يدمج البناء الكلاسيكي والبارود في مباني متعددة كما التزويق الكباشي لمدينة لاس فيجاس ! كما أٌعتبر الرسام الأمريكي “اندي وارهول”صاحب التصوير النيجاتيف الرابعي المشهور ل”مارلين مونرو” كتعبير مثالي عن شحوب الجمال الحداثي. كان “فرانسوا ليوتار” العضو السابق في مجموعة إشتراكية أو بربرية هو من أدخل التعريف لما بعد الحداثة الفلسفية ضمن المعمعة المنشقة عن التيارات الرئيسية في الماركسية الفرنسية حول “كاستوريادس “وجميعهم كانوا جامعيين مرموقين وعمل ليوتار في جامعة القسطينية بالجزائر وأتلانتا بالولايات المتحدة !وفي تقريره المشهور الوضع المابعد حداثي والمكتوب لإدارة التعليم في كيبيك(كندا) والذي يبدأ بجملة” أن تتكلم فإنك تقاتل” !ونهاية الحكايات التحرر الكبيرة وتمحور الصراع حول قضايا أخرى كألجندرية والبيئة وحقوق الأقليات والحيوان

“يورجن هابرماس” من فرانكفورت يظن بأ ن وعود الحداثة التى لم تتحقق كلها بعد قابلة للتحقق مع إعتبار المجال الذي لايمكن تجاوزه المسيحية! وهو يبدو كما لو كان يعيد هيجل في القرن الواحد والعشرين كألماني موعود بتكملة شروط التاريخ !

التتابعات النظرية السابقة سبقتها الاطروحة الكبرى عن نهاية العمل الصناعي ووداع البروليتاريا (أندرية جورز – چيرمي ريفكن)!وترجع لأوائل السبعينات.

في هذا المضمار يبرز اسم الناقد والاكاديمي الأمريكي المصري “إيهاب حسن” كمصنف لل تغير في المجال الثقافي المابعد حداثي كألآتي​

​ النقاد الأكاديميون الماركسيون بمعظمهم لهم مواقف رافضة للتيار المابعد حداثي فمثلآ
“فردريك جيمسون” (الولايات المتحدة) نشر “مابعد الحداثة أو المنطق الثقافي للرأسمالية المتأخرة” بأنها حداثة متأخرة تعبيرآ عن Late capitalisme”أرنسيت ماندل” “تيري إيجلتون ” البريطاني وربما الناقد الماركسي الأشهر من أوكسفورد نشر كتاب (أوهام ما بعد الحداثة (1996) ثم”اليكس كالينكوس” وهو بريطاني له كتابه “ضد مابعد الحداثة” وكلاهما مناضلين سياسيين في أحزاب يسار اليسار.

التعبير الدقيق “حيث كل شيءٍ ممكن، ولا شيء مؤكدٌ تقريبا.»هكذا حدد النظريات المابعدحداثية “فاكلاف هاڤيل” الكاتب المسرحي والرئيس السابق لجمهورية التشيك”. الماركسيون يبدون محافظين في هذه المسألة ذلك لإن كل بناءهم النظري مبني على مقولة” البروليتاريا التى ستستكمل ما أنجزته البرچوازية” وهذا يستدعي الفحص النقدي !

لم تلبث النظريات طويلآ فألزمن متسارع (بقيت الحداثة قرون بينما المابعد عقود لتجد تجاوزاتها النظرية “تيموثوس ڤيرمولن” و”روبن ڤان دن آكر” نشروا عن “الميتا مودرنيزم” التي تتراوح بين الحديث ومابعد الحديث بين الحماسة و التهكمية بين الأمل والكآبة بين البراءة والمعرفية بين العاطفة والتبلد الشعوري بين الشمولية والتجزئ بين الوحدة والتعددية حيث تتراوح!

spot_imgspot_img