
الشاعر: هادي دانيال
نَغَمٌ كابتسامةِ طفلٍ غفا عُنوَةً بينَ ثديي أرْمَلَةٍ لَمْ يُوارَ الثرى زَوجُها بَعْدُ
لا تزالُ الجنازةُ قائمةً والقتيلُ يرى ضحكة الطفلِ سَرْبَ عصافيرَ في أُفُقٍ مِن دُخانْ
وَطَنٌ يَخْلَعُ الآنَ بَزّتَهُ العسكريّةَ
يَركُعُ قُدّامَ هذا الهباء وَيُصغي إلى طَيْفِ صَوتٍ شَجِيّ:
هَدّني الجوعُ يا أبتي
فأكلتُ ضميري
كانَ هذا المُسجّى على ما تراكَمَ مِن إرْثِهِ الرثِّ في حَيْرَةٍ:
هل يُطَوِّقُ جيدَ الرضيعِ بأسرارهِ المُقْفَلَهْ
أمْ يُعمّدهُ بالمياهِ التي تغسلُ المرحلهْ
و ينأى بأقدارِ والِدِهِ
إلى زورقٍ
مِن زوارقِ نهرِ الزمان؟!
كانَ في حَيْرَةٍ عندما صَدَحَتْ نَغَماتُ الكمانْ:
لم تَعُدْ وطناً،
صُرْتَ مَحْضَ مكانْ.
……….
يا رُقْعَةُ الشطرنجِ،
يا مَلهاةُ آلهةٍ خلاسيّينَ،
يا مضمار خَيْلٍ في مدارجه مُسُوخُ
يا غابةً “محميّة”
حَطَّمَتْ البروقُ والرعودُ قَيْدَها
يا وَجَع الجوعِ وَلَهَب الجليدْ
نسيرُ كالأرْمَنِ تَحْتَ القصْفِ حتى الموت
في الصحراءِ
والقَتَلَةُ القُضاةُ والشُّهُودْ
……….
يا جَيْشَ مَيْسَلونْ
يا قَبَضَاتِ قاسيونْ
هَلْ أُغْلِقَ القَوسُ
أم انّ سَهْمَ القَوسِ لا يزالُ في الهواءْ؟
كيفَ إذَنْ تَرَمَّدَتْ على أكتافِكَ النجومُ في مُنْتَصَفِ الطريقْ؟
كَيْفَ تلاشَيْتَ دُخاناً في حريقْ؟
كيف الجذوع انكسرت وانحنت الغصونْ
وكيفَ صار الأعدقاءُ الطلقةَ الأخيرةَ
وقَشّةَ الغريقْ؟
يا ذَهَب الشامِ
لقد خَدَعَنا البريقْ
ليسَتْ بلاديَ ما أرى
لا شَعْرَها يضيءُ في الرياحْ
لا النّهْدَ يشرئبّ مُرْضِعاً طُفولةَ الصباحْ
إنّي أرى عباءةً وَبُرْقُعاُ يُواريان الدّمْعَ والجرَاحْ
جَسَدُ البلادِ اسْتُلَّ مِنْهُ عمودَهُ الفَقَرِيّ
أقنعةُ المحاربين سَقَطَتْ
عن فاسقٍ أو سارِقٍ
أو مارِقٍ خَؤونْ
……
كأنّنا نُولَدُ تائهينْ
نبحثُ عن مكانٍ خارج الوجودْ
فكُلُّ أرْضٍ ندّعيها وَطَناً مُحْتَمَلاً
قَد وَعَدَ اللهُ بِها اليهودْ؟!.
*تونس/المنار2، الأحد22-12-2024.