
الشاعر: هادي دانيال
زمجرَ البياضُ فارْتَعَدَ الحبْرُ
كانَ نهاراً صافياً
فاربدّ
والعصافيرُ قوقأت
والظِّباء عَوَتْ
فاسْقِنا مِن دموعِ النهار يا ليل
ما للدِّماءِ فَجْرُ؟
في صباحٍ بعيدٍ حلمْتُ
بشمسِ العدالةِ تُشْرِقُ مِن دفتري
لم أكن يومها أعرف الكونَ/مَرّيخَه، و عطاردَهُ، بائعَ الوهْمِ والمشتري
كانت الأرض شاسعة
والفدائيّ بُوصلةً
وكانت فلسطينُ وردةَ حُلميَ والبندقيّةُ درباً قصيراً إليها
صارت الأرضُ ضيّقةً
والجهاديُّ حافرَ ثَعلَبِها
والبنادقُ حوليَ جدرانَ مبكايَ مبكايَ مَبكايْ
فأنا أُغَرْبِلُ ما تَبَقّى مِن أنايْ
أطفالُ غزّةَ أودعوا أجسادَهُم دفْءَ الركامِ
حَلّقوا برؤوسهم فَوقَ الضمائرْ
تعبَتْ رُؤوسُهُمُو مِن التحليقِ والتحديقِ فوق حجارةٍ مِن عَهْدِ سالومي
فرأوا عليها ظلَّ رأسينِ مِن الأسلافِ، قدّيسٍ وثائرْ
أطْبَقَتْ تلك الرؤوس جُفُونَها وغَفَتْ لتحلُمَ أنّها عادتْ إلى أجسادها
أو أنّها التحقت برأسيّ الحُسَينِ وقبْلَهُ يحيى الدمشقيّ المُغامرْ
قال يحيى: إنّ “أولادَ الأفاعي”…
اقْتَحمُوا الجبالَ مِنَ الدّساكرْ
الجبالُ التي ألقت العُشْبَ والضبابَ على أكتافِها مَعاطِفَ جَنَرَالاتٍ
ومن بين أيدي الصخور وأرجُلِها
الينابيعُ تلمعُ كالفضّةِ البربريّةِ في قبْضةِ الشمسِ
الجبالُ الوديعةُ تلك التي يَغسلُ البحرُ أقدامَها
تَطَيّرتِ الآن مِن دِمنا مائعاً لامعاً في مخالب صَقرِ قٌرَيشَ ومنقارِه !
الجبالُ التي أهْلُها من صخورٍ وطينٍ ونارٍ وماءْ
أهلُنا الفقراءْ
نَبَتوا مِن قرونٍ كأشجار أحراشِها في الشِّعابِ وفَوْقَ الذُّرى
يحرثون الترابَ على شُرُفاتِ الأعالي
يبذرونَ مروءتَهم
يحصدون سنابلها عزّةً وقِرى
الجبالُ التي رُصِّعَتْ بالقُرى
أرخبيلاتِ ضَوْءٍ تهزّ الليالي
هَزّها مِن بعيد نفيرُ الرعاعِ المماليكِ/ أحفادِ تيمور لنكَ
التي وَعَدَتْ بالسلامِ النَّعامْ
عندما أمَرَ الأغْبَرُ المُتأنِّقُ قطعانَه أن يُقيموا عشاءهم الكربلائي
مِن فِراخِ الحمامْ
عُواءُ المآذِنِ أطفأَ نُورَ السماءِ
الغيومُ التي أرعدتْ بَرْقُها كانَ أسودَ
صَوْتُها كاستغاثةِ بَكْماءِ مِن قاعِ بِئْرِ
هديلُ الحمامِ يغادر أبراجَه في البيوتِ التي اقتحمتها الذئابُ
رفوفُ الحمامِ يُطاردُها الأزبكيّون والتتريّون والأُمَوِيّونَ
صَرْعى الحَمامِ على عتباتِ البُيوتِ وفي الطرقاتْ
وصرخةُ “الله أكبرُ”
نَشْوَةُ قَتْلِ الحياةْ
والفراشاتُ رَمَّدها الرعبُ مِن مَشْهَدِ القَتْلِ في الحقْلِ
لا زهورَ لا نَحْلَ لا ندى
وحده الردى يطوفُ
والحقولُ قَبْرٌ يُحاذِيهُ قَبْرُ
أرَضَةُ إسرائيلَ قَرَضَت صحائفَ الأرضِ
فانْفلتَ الخرابُ مُسْتَعرِضاً فُحولَتَه
في المُدُنِ السبايا
حِرابٌ تشقُّ الصدورَ
عن قلوبٍ تلوكُها الأشْداقُ
يا سوريا التي كانت
شجرةً أعلى مِن كثبان الصحراء
صيّادوّ الجوائز يكمنونَ للقبّراتِ قبْلَ اكتِمالِ فَجْرِها
تباركَ السوادُ بحَجَرِهِ وعمائمه ولياليه الطويلة
وبئس مصير المصلوب على خَشَبٍ تنكره النخلةُ
بينما أصابع الغابةِ تلهو بأوتار قانونِها
إدْلِبُ مِسْخُ يَثْربَ
ودمشْقُ مِسْخُ إدْلِبَ
بَخٍ بَخٍ!.
*تونس /المنار2، فجْر الأحد06-04-2025.