spot_img

ذات صلة

جمع

هل نهاية للعولمة؟

الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم عندما فرض الرئيس الأمريكي "دونالد...

أنا أحب إذن أنا موجود: أو الفلسفة والفائض من الغرائز

بقلم الأستاذ: الأسعد الواعر أنا أحب إذن أنا موجود هو...

آنِي.. فِي كَنَفِ “الآنِي”

الكاتب والشاعر: شاهين السّافي يذكر أنها تلقت أغرب طلب...

“أهيم عشقا بأمّ القرى ” لجلال باباي: مراثي الخريطة…

رياض خليف تصفحت هذا العمل كثيرا، مقتفيا خطى كلمات الشاعر...

قراءة في المجموعة القصصية ” شوارع” لنورة عبيد

الكاتبة: نبيهة العيسي

للمدينة أوجاعها وللقلب الحيران أمانيه وأحلامه وانتظاراته…

وقلب نورة عبيد الكاتبة والشاعرة حرّك أوتار الكلمات، فكانت شوارع، مجموعة قصصيّة تبحث في المكان عن فضاء للكيان.

وشوارع اسم جمع نكرة لكنه يحمل من الإشارات ما يدفع القارئ إلى تصفح أوراق الكتاب.

قصص المجموعة تخلّت عن الإهداء ولم تر له داعيا. فالشارع ملتقى الغرباء والعلاقة بالغريب لا تتحمّل الهديّة ولا الإهداء.

ونتصفّح عناوين القصص فإذا الفضاء الموصوف يرد مرّة تحت مسمّى شارع ومرّة تحت مسمّى نهج. والشّارع هو الطريق الأعظم في المدينة حسب المعجم الوسيط. أمّا النهج فهو الطريق الواضح المستقيم حسب لسان العرب. ثمّ إنّ هذين الاسمين يحملان على التعريف في مستوى العناوين الداخلية للنصوص إذ يضافان إلى أسماء أعلام ( شارع عليّ البلهوان) أو إلى مهن ( نهج الدباغين) أو إلى صفات ( شارع المودّعين).

هكذا يتحوّل الشارع أو النهج في عناوين المجموعات من مجرّد أفضية إلى ذوات ثقافيّة حاملة لذاكرة وهويّة. وإذا الأسئلة ترد تباعا:

– ما نصيب هذه الأمكنة من الوضوح والاستقامة والعظمة؟

– هل للمكان إنسانيته الخاصّة؟

– هل يحمل الشارع هويّته الخاصّة أم هويّة ذات التصقت به؟

– هل تلك الهويّة هويّة منغلقة على ذاتها أم أنّها هويّة منفتحة متغيّرة بتغيّر طبيعة البشر العابرين لهذا الشارع؟

النص كما يلوح من عنوانه مثير للأسئلة. ونصّ يثير السؤال هو نصّ دافع للقراءة، قراءة حكاية المكان في هذه الشوارع وأحوال المكانة فيها.

وقد طالعت هذه القصص وخرجت منها بملاحظات حول الزّمن والشخصيّة وجسد الفضاء.

الزّمن الأزمة أو الزّمن المعطل في المجموعة:

أمّا الزّمن فهو كما بدا لي معطّل رغم حركته البسيطة الآنيّة. تلك العطالة التي لا تبدو في ظاهر النّصوص لكنّك تشعر بها في حركته الدّاخليّة ذلك أنّ أقاصيص عديدة ترشح بالاستحضارات التي تلقي على الحاضر ظلال الماضي. فما يعاش هو الزّمن النفسيّ بكلّ أبعاده التراكميّة. هكذا نجد في أقاصيص عديدة تداخلا بين فرادة اللّحظة و المشاهد الملتبسة بها. ومن مظاهر تعطيل الزّمن وجعله ملتبسا بالماضي أقصوصة نشيد الشوارع. إذ يجمع الحديث عن الخبز أحداث الحرقة بأحداث الثورة وانتفاضة الخبز1984.

هذا البعد التكراري يسعى إلى إيقاف عجلة الزمن فيحصل تدافع بين الماضي والحاضر ويحدث هذا شروخا في الذاكرة.

وأمّا الشخصيّة القصصيّة فمخترقة بالمكان وبالآخر العابر له:

وهذا ليس بغريب فلا وجود للأنا خارج الأنت وبمعزل عن العلاقة به. والخطاب القصصي مشحون بذاكرة وهو في الوقت ذاته موجّه نحو الآخر. لكنّ اللاّفت في الأقاصيص أنّ شخصيات المجموعة محكومة بضغوط متنوّعة تجعلها هشّة ومخترقة. الشخصيّة القصصيّة في هذه النّصوص هي جماع أنوات قد تتقاطع وقد تتقابل إلاّ أنّها تعكس في النّهاية ذاتا غير ثابتة الملامح تحاول التأقلم مع الصّوت الجمعيّ ولا تطاله إذ تعطّلها دهشتها أمام ما يعجّبه الشّارع من فوضى عن الانسجام مع الآخر. هذا الآخر الذي يعكس صورة الذّات مشوهة حينا ومبتورة أحيانا ومصابة بإمساك مزمن أحيانا أخرى.

إنّنا أمام بناء ضرب جديد من العلاقة بالآخر. يجعل الشخصيّة تعاني حالة من الإنهاك الدّاخلي. فيتحوّل الحوار من بعده الدرامي إلى صدام داخليّ. إنّه حوار لا يؤسس للمعنى فالشخصيّة لم تعد تثق في أحد يجيب عن أسئلتها لذا هي تكتفي بالفرجة وهذا ما جعل ضمير الغائب هو المسيطر على الأقاصيص وهو ضمير يضمن وجود مسافة أمان بين الرّاوي والمروي.. هذه التي هي أنا وليست أنا، هذه الهي التي قد تكون أنت….

وأنهي قراءتي بالنّظر في الجانب الدّلالي وأهمّ ما لفت انتباهي في هذا المجال :

جسد الفضاء وفضاء الجسد في المجموعة:

والمعلوم أنّ الإطار المكانيّ يعطي انطباعا بالمصداقيّة ويقدّم لنا صدى عن الواقع.لكنّ الفضاء في هذه النّصوص ليس عنصرا تكميليّا، إنّه عمادها فكلّ القصص تحتفي بالمكان. هذا المكان الذي يفترض أن يشعرنا بذواتنا ويكسبنا إحساسا بوجودنا.

والعلاقة بين الجسد والمكان هنا تفاعليّة: الجسد يطأ المكان برفق ( المقبرة في شارع العناق) أو بعنف ( متساكني نهج السعادة) بقدر ما يطأ المكان الجسد ( بمستنقعاته في شارع الغابات أو بروائحه في شارع الحريّة) .

فالذات تدرك الفضاء بواسطة جسدها وعلاقتها به جدليّة. ألا يقولون إنّ للجسد تفكيرا لا يعرفه الفكر؟ ألم يستجب جسد الشخصيّة في “شارع فطّوم” إلى جسد العمّة رغبة في المواساة، والعقل رافض بداعي الحفاظ على السلامة؟

هكذا يحتضن العالم الداخليّ العالم الخارجيّ مثلما يغدو العالم الخارجيّ ترجيعا للعالم الدّاخليّ وامتدادا لهواجسه وانفعالاته. وهنا يكفي أن أستحضر أسماء الشوارع وما تطرحه من أسئلة: سؤال العطالة والأوهام في” شارع الأستاذ الباجي قائد السبسي” وسؤال المدنيّة في شارع الغابات وسؤال المدينة السّجن في شارع الحريّة.

ونصل إلى السؤال الحرج عندما نجد أنفسنا أمام الجسد المنفى في شارع الأقصى حيث يغيب الآخر حتّى في أقصى درجات الانهيار والألم ويجد الجسد ذاته في مواجهة ذاته يتقيّأها ويقتات منها في ذات الوقت.

خاتـــــــــــــــــــمة:

تدمن قصص هذه المجموعة قرع الأبواب الموصدة عسى أن يعود إليها الصدى، وترفع أوزار السؤال عاليا في فضاء المكان المغلق المفتوح. هذا الفضاء المكمّم الذي مافتئ رغم المنع، يطرح سؤال الحرّيات وسؤال الحقوق وسؤال العدالة وسؤال الحضارة وسؤال الإنسان عن إنسانيته ما فعل بها؟؟؟؟

spot_imgspot_img