spot_img

ذات صلة

جمع

هل نهاية للعولمة؟

الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم عندما فرض الرئيس الأمريكي "دونالد...

أنا أحب إذن أنا موجود: أو الفلسفة والفائض من الغرائز

بقلم الأستاذ: الأسعد الواعر أنا أحب إذن أنا موجود هو...

آنِي.. فِي كَنَفِ “الآنِي”

الكاتب والشاعر: شاهين السّافي يذكر أنها تلقت أغرب طلب...

“أهيم عشقا بأمّ القرى ” لجلال باباي: مراثي الخريطة…

رياض خليف تصفحت هذا العمل كثيرا، مقتفيا خطى كلمات الشاعر...

عمره ما يناهز 100 سنة: مقال صحفي نادر للطاهر الحداد

تقديم الوثيقة:

عثرنا في المكتبة الوطنية بتونس على ثلاثة مقالات صحفية كتبها الطاهر الحداد سنة 1925 ولم يسبق أن أعيد نشرها في الأعمال الكاملة لهذه الشخصية الفذّة في تاريخ تونس الثقافي والسياسي. ظهرت تلك المقالات في جريدة «إفريقيا» التي تحمل الرقم المرجعي دو 522 بتلك المكتبة. سبق أن حققنا ونشرنا مقالا أول من تلك المقالات في جريدة «الصباح» التونسية في عددها الصادر يوم 2 فيفري 2022، وقد كان عنوانه «أين المؤامرة وإلى متى؟». ها إننا ننشر اليوم بالملحق الثقافي «منارات» المقال الثاني للطاهر الحداد الذي صدر في نفس تلك الجريدة «إفريقيا» في عدد 9 مارس 1925، عنوانه «حول تصريحات المقيم العام لأحد محرري جريدة «المتان».

نحن نعرف أنّ الطاهر الحداد قد كان وطنيا صادقا ومخلصا لأفكاره ومواقفه الاجتماعية والسياسية العادلة، وهو مقاوم مزدوج النضال: واجه التخلف الاجتماعي لتونس بكل رباطة جأش حين دعا إلى تحرير المرأة التونسية وألّف كتابه الشهير «امرأتنا في الشريعة والمجتمع»، و واجه المحتل الفرنسي حين دعاه إلى تحرير العامل التونسي من براثن الاستغلال الاقتصادي والاستعمار العسكري والسياسي. كان الطاهر الحداد عضوا في المكتب التنفيذي لجامعة عموم العملة التونسيين التي أسسها الشهير محمد علي الحامي بين سنتَي 1924 – 1925. هي أول جامعة نقابة تونسية وربما أول جامعة عربية لحما ودما.

كتب الطاهر الحداد هذا المقال «حول تصريحات المقيم العام لأحد محرري جريدة «المتان»على إثر إضرابات عمالية تونسية شنتها تلك الجامعة وتلتها إيقافات محمد علي ورفيقه الشيوعي الفرنسي فينيدوري وآخرون تم سجنهم ثم نفيهم إلى خارج البلاد التونسية.

ثمة حيثيات هامة أخرى يجدها القارئ في طيّات هذا المقال الذي ارتأينا إعادة نشره لأوّل مرّة بعد ما يناهز مائة عام من صدوره الأول، أملنا أن يحقق الإضافة العلمية المرجوّة.     

حول تصريحات المقيم العام لأحد محرّري جريدة «المتان»

الطاهر الحداد

جريدة «افريقيا»، عدد 9 مارس 1925

تحقيق: الأسعد الواعر

قد يمكن حمل م. هيريو على الغلط بحسن نية عندما يقول عن جامعة عموم العملة التونسية انها مؤسسة شيوعية أو دستورية أو ملّية وانّ الاتحاد بين الوطنيين والشيوعيين قد تم بصورة واضحة فإنه بذلك واقع تحت تأثير التقارير الواردة إليه، أما الذي لا يمكن احتماله أو تأويله بوجه من أوجه الصدق  فهو ما صرح به مقيمنا العام لأحد محرّري «الماتان» في هذا الشأن ذلك الوزير الذي عاش بيننا قبل أن تظهر حركة العملة وبعد ظهورها إلى الآن ثم يقول ما يقول.

يقول م. سان:»إنّ الشيوعيين والوطنيين قد أصبحوا جنبا بجنب في حركات العملة وأخيرا ظهر للعلن أنّ صبغة هذه الحركة سياسية بحتة سيما عندما ترك العملة ببعض الجهات أشغالهم (…) 1 بسببها عندنا الاعتصابات لكن بمجرد اتخاذ الوسائل النافعة ضدّ رئيسي تلك الحركات اللذين هما الفرنسي فينيدوري والأهلي محمد علي انقطعت المظاهرات إلخ.»

لم يجد م. سان ما يستدل به في اتهامه حركة العملة بالسياسية – تلك التهمة التي جرى على موجبها في اضطهاد حكومته لهم من أول تأسيسهم- الاّ ما وقع أخيرا من وجود «اعتصابات بدون عرْض مطالب اقتصادية أو صناعية» غير أنه أبهم على سامعه مكان الاعتصابات التي يعنيها خوفا من قيام الحجة عليه. إنّ الذي وقع أخيرا هو اعتصاب عملة شركة «شويش بيزو» بحمام الأنف وعملة السدرية وقد أوضحت كل الجرائد مطالبهم في زيادة الأجور وتحديد ساعات الشغل بمقتضى القانون وإرجاع من رفضته الشركة من الخدمة لأنه يعمل بنشاط في الحركة النقابية فلا تفتح جريدة فرنسية أو عربية هنا أيام الاعتصابات إلا وتجد فيها جدول الأسعار2 التي يشتغل بها العملة وما طلبوه من الزيادة وكيف شح المستخدمون لهم بأدنى ترضية أو إجابة لمطالبهم هذه، على أنهم لم يعلنوا اعتصابهم إلا بعد خمسة عشر يوما من تقديم مطالبهم كتابة إلى إدارة الشركة وإلى مفتش الشغل بإدارة الشغال العامة ونشروها بالجرائد وأنذروا الشركة بالاعتصاب إذا لم تجبهم قبل مضي الأجل، ونفس م. فيالاس الكوميسار الذي جاءهم من العاصمة مكلفا على ما ادّعى بالتوفيق بين العملة والشركة ؟ قد سألهم عن أسباب اعتصابهم وهل قدموا مطالبهم إلى الشركة قبل ما أنجزوه، فأوضحوا له حالة الفقر التعسة التي يعانونها من انخفاض الأجرة وثقل الشغل وارتفاع أسعار المعاش، وجعلوا يلفتون نظره إلى وجوههم المصفرّة الكالحة وإلى ملابسهم البالية المرقعة من بقايا عساكر الحرب. وها هو م. فيالاس لازال حيا ولا يمكنه أن يخفي شهادته بحق، فأين هذه الاعتصابات السياسية التي ظفر بها م سان كدليل على اتحاد الوطنيين والشيوعيين؟

إنّ المتهم الحقيقي بالأغراض السياسية في مشروع العملة ليس هو الجامعة التونسية بل هو حكومتكم يا حضرة م. سان، فإنّ عملة حمام الأنف البؤساء المساكين قد اتخذت ضدّهم كلّ الاحتياطات الصارمة لمنع أدنى إعانة تصل لهم من إخوانهم العملة في جهات أخرى أيام اعتصابهم وقد عمل السياط الأصم في جلودهم اليابسة المنقبضة من البؤس والجوع لجبرهم على الرجوع إلى الخدمة بمعمل الشركة وزج بعضهم في السجن إرهابا للآخرين بدعوى التعرض لحرية الشغل ولازال بعضهم إلى الآن موقوفا بدون حكم كأنهم ارتكبوا جناية عظمى بينما لم يقع أدنى حادث يمكن أن يُخلّ بالأمن بفضل تثبت العملة وقادتهم لكن صراخ هؤلاء البائسين من الاضطهادات التي نكبهم بها أعوان البوليس والجندرمة قد ذهب صداه مع الريح فقد بثوا ظلامتهم3 في مختلف الجرائد وشكوا للحاكمين من الوزير إلى الأمير بدون أن يحصلوا على جدوى سوى التنقيص لكل واحد خمسين سنتيما من أجرته اليومية عند استينافهم للشغل. ولا شك أنكم حاضرون هنا عند القيام بهذه الإجراءات التي تنشرها الجرائد المحلية على التوالي وعالمون بها على الأقل إن لم تكونوا الآمرين. فمن الذي يستعمل الغرض السياسي هو من يعِدُ هؤلاء البؤساء المظلومين بالإعانة في أيام اعتصابهم أو هو من يحاول قطعها عنهم ليدفعهم الجوع لاستئناف الشغل بدون طائل وهل هو من يستعمل السياط ويطارد العملة الهادئين أو هو من يحتج على هذه الاجراءات الجائرة ويحاول رفع ظلامتهم بالنشر والقول؟

لقد قامت الجامعة بخدمة إنسانية عالمية في دائرة الاقتصاد الخالص وإذا قلنا انها لا علاقة لها بالسياسة ولا بمؤسساتها فليس ذلك من باب التمويه والتدجيل وحاشا 4 أن تكون كذلك بل هو الحق بعينه وأعمالها الحقيقية تشهد بصحة هذا القول ولا يضرنا بعد ذلك أن تقلب الاعتصابات الناشئة عن الجوع إلى اعتصابات سياسية وأن يتوالى علينا الاتهام الزائف الذي يحاولون به تبرير إجراءاتهم المختلة.

هاهي مسألة جديدة: أوقف الأخ محمد علي الحامي ومن معه من الأعضاء النقابيين فضموا إليهم م. فينيدوري واتهموا الجميع «بمؤامرة ضدّ أمن الدولة» فهل يمكن أن يجعل (…)5 الاختياري في ضم م. فينيدوري إلى الموقوفين في تهمة واحدة هو من جهة أخرى دليلا على أنهم شيوعيون ويتبع ذلك أنّ الجامعة ملية وشيوعية وسياسية بحتة..؟ ولعلكم أيضا تفهمون من استحسان الشيوعين لتأسيس الجامعة ودفاعهم عنها في بعض ما ترتكبونه ضدها من المظالم أنها بذلك تكون شيوعية ! إذن فما هي الطريقة التي تشيرون بها علينا في إلجام هذه الأفواه عن إعلان استحسانها للجامعة ودفاعها عنها في بعض المواقف حتى تنفي بذلك شرّ هذه التهمة فإذا كانت هناك طريقة تعرفونها وإذا لا تشيرون بها علينا فإنّ امتناعكم من ذلك (…) 6 عليكم توريطا لنا في هذه الشيوعية التي ادعيتموها وقصدا منكم لإقامة تعهم مفتعلة تضربون بها الأشخاص والمؤسسات خصوصا غير التابعة منها للمؤسسات الفرنسية.

يقول م. سان إنّ المظاهرات قد انقطعت بإيقاف محمد علي وفينيدوري وهنا قد وقع م. سان أو أوقع نفسه في الغلط من وجوه فإنّ ضمّه لهذين الاسمين في خطابه لا يثبت له بحق شيوعية الأخ محمد علي ولا الجامعة وأيضا فإنّ المظاهرات التي يحكى عنها قد وقعت إثر أخذه «التدابير النافعة» احتجاجا عنها لا قبلها كما يقول وهي قد وقعت من العملة احتجاجا على إيقاف الأعضاء النقابيين لا لتأييد الشيوعية كما يذيعه المنتفعون من التمويه.

إنّ م. سان قد قدم تاريخ المظاهرات عن وقته فصرح بانقطاعها عند أخذ «التدابير النافعة» ليبرهن بذلك على صلوحية سياسة الشدة في مقاومةالحركات (الأهلية) ونحن ننصحه وأمثاله أن لا يعتدوا بالقوة في كلّ شيء فإنها نظرية قاصرة قد كذبها التاريخ وحوادث اليوم ولا يصرّ عليها إلا من يرجح الانتفاع الوقتي بنظر لا يتجاوز قيد شبر ويلغي المصلحة الحقيقية والدائمة وخير للجمهورية الفرنسية أن تطهر سياستها من استعمال للعنف وأن تتحرى في معرفة الحقيقة فتمحص ما يأتيها من الأخبار سيما ما يتعلق منها بمشروع العملة الذي تألبت كل العناصر على اتهامه بالزور والبهتان فتكون قد قامت بواجبها في احترام مباديها الجمهورية التي طبقوا بشهرتها الآذان.

الطاهر الحداد     

       

**********

الهوامش:

1- جملة غير واضحة في الأصل، متكونة من خمس كلمات تقريبا. (المحقّق).

2- جدول الأسعار: لا شك أنّ الكاتب يقصد جدول الأجور (المحقق).

3- بثوا ظلامتهم: المقصود نشروا تظلماتهم (المحقق).

4- حاشا: هكذا في الأصل (المحقق).

5- كلمة غير واضحة في الأصل (المحقق).

spot_imgspot_img