spot_img

ذات صلة

جمع

المدرسة العمومية في مراحلها الثلاث تشهد انهيارات كبرى تتهددها جديا . !

 *حاوره أبو جرير  في زمن تتهاوى فيه المدرسة العمومية وتتصدع...

حوار مع وحيدة المي : الكتابة كجمرٍ لا يخبو

حاورها: عمّار الطيب العوني في عالمٍ تتنازعه السرعة والسطح، تكتب...

“أوجات وطقس الفم المفتوح” لمِنّة الله سامي

سعدية بنسالم العمل مجموعة قصصية للكاتبة المصرية المتميّزة منّة الله...

صدى نكبة فلسطين في الشعر الشعبي التونسي من نشأة الحركة الصهيونية الى سنة 1948

الاستاذ بلقاسم بن جابر باحث في الشعر الشعبي التونسي

كان الشعب التونسي يرسُف في أغلال الاستعمار البغيض في الزمن الذي أطلق عليه الوطنيون “زمن العسرة” فزعماء الحركة الوطنيَّة كانوا في المنافي والمعتقلات وكانت الحزن يخيّم على البلاد وهي تشيَّع مليكها الوطني المنصف باي يوم الفاتح من سبتمبر 1948 إلى مقبرة الجلاز ..ولكنَّ الشعب المفعم بعروبته وإسلامه كان يتابع بمرارة النكبة الأولى للعرب في فلسطين والحق أنَّ القضية الفلسطينية شغلت الرأي العام التونسي منذ العشرينات وما قبلها يقول الباحث والمؤرخ التونسي عبد اللطيف الحناشي “

“”شكل وجود أقلية يهودية في البلاد، إضافة إلى المناخ الملائم نسبيًا، دافعًا للحركة الصهيونية إلى النشاط وكسب الأنصار، الأمر الذي أدى إلى بروز توترات ذات طبيعة سياسية بعد أن كانت في السابق اقتصادية ومالية، وانتهى هذا الأمر إلى اصطدام إرادتين: إرادة وطنية تونسية لا تفرّق بين التونسي مسلمًا كان أم يهوديًا، والحركة الصهيونية التي عملت على تعميق الخلافات بين الطرفين، ودفع اليهود التونسيين إلى مغادرة بلادهم للاستقرار في فلسطين ودعم المشروع الصهيوني”

(تطور الخطاب السياسي في تونس تجاه القضية الفلسطينية (1955-1920 المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)

وتمثل زيارة الزعيم الوطني عبد العزيز الثعالبي إلى المشرق العربيّ وتعرفه علي القضية الفلسطينيَّة في بواكير الصراع العربي الصهيوني عاملا حاسما في بث الوعي التونسي بالقضية تقول الباحثة السورية بشرى علي خير بك أنَّ الشيخ عبد العزيز الثعالبي كان

“يحث إخوانه في الحزب على المساعدة العملية وجمع التبرعات للفلسطينيين، من ذلك أن الشاعر سعيد أبي بكر طرح في اجتماعات الحزب فكرة جمع التبرعات وإرسالها إلى أمين الحسيني حتى أنه هدّد بتقديم استقالته إذا لم يقبل طلبه فورًا. وكان لرأيه صدى في الأوساط الشعبية، ونشأ عنه في البداية تبرعًا متواضعًاولكنه استطاع أن يُجَذِّرَ الفكرة وتصبح تقليدًا حسنًا”

“(موقف الحركات الوطنية في أقطار المغرب العربي (تونس ـ الجزائر ـ المغرب) من قضية فلسطين بين العامين 1917 ـ 1939”.د. بشرى علي خير بك.

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب ـ دمشق ـ ص 2019 ص 177)

وعلى جانب اخر كان ثمة عمل حثيث من نشطاء الحركة الصهيونية بتونس على التبشير اعلاميا بأهداف الصهيونيَّة وبالهجرة وبالدعم المالي فقد أحصى الباحث التونسي الدكتور الهادي التيمومي نحو 50 صحيفة صهيونية بتونس من سنة 1897 الى سنة 1948 في كتابه “النشاط الصهيوني بتونس الصادر عن دار محمد علي للنشر”

وقد حفلت الصحف التونسيَّة المتنوعة المشارب بمقالات مكثفة كشفت للشعب خفايا القضية وواجهت المشروع الصهيوني بتونس وكانت النكبة حدثا هز الوجدان القومي في القطر التونسي وانعكس على الثقافة والأدب مسرحا وأغنية وشعر فصيحا وشعبيَّا ويهمنا أن ندرس تأثر الشعراء الشعبيين التونسيين بالحدث

يمكن اعتبار ملزومة الحاج عثمان الغربي التي قالها سنة 1933 من بواكير القصائد الشعبية التي تحدثت عن أزمة فلسطين وقضية مواجهة الاستيطان الصهيوني ويقول فيها

جَميعْ الأمَم لكُل مُلتفتينْ ** إلى مَا يَاقع في فْلِسطِينْ

جْمِيعْ الحُذَّاقْ ***العَالَم الاسْلامِي عَلْ قَدم وْسَاقْ

اجْتَمعُوا لْتَمُّوا عِملُوا اتِّفاقْ **لاجْلِ ثالثْ الحَرَمِينْ

طْلبْنا الرَّحْمَان ْ*** يْطَفِّي عَلينا هَاذِي النِيرَانْ

اللهْ يُرزُقْنا بِاهْل الاحْسَان **يْرُدُّوا النَّاس المِتْعربْدِين

وِينْ الزِّعَامْ ***وِينْ الدِّوِلْ الكُبرى لِعْظَامْ

يْكِفُّوا عَلى العَالَم شَرْ الظُّلاَم **قَبْل ما تِشْعل فِيه النَّارِينْ

(جريدة الزهو عدد1019 في 31اوت 1948)

ولكنَّ الوعي التونسي ظهر مبكرَّا بالمساعي الحثيثة للحركة الصهيونيَّة بفصل اليهود التونسيين عن وطنهم عبر مطالبة كبار الحركيين الصهائنة بتونس بجعل المحاكم الفرنسية مرجع نظر أاحكام اليهود التونسيين لعدم ثقتهم بالقضاء التونسي فقد أوردت جريدة “ابي نواس الهزليَّة النقديَّة ” لصاحبها سليمان الجادوي ملزومة تكشف فيها هذا التدبير تقول

يا غَّافلين تْنبَّهوا بِرْزَانا **وِتْأمِّلُوا فِعْل اليِهُودْ مْعَانَا

غِلطُوا يَاسِرْ *** واللِّي خَذُوا عْلِيه عَقْله خَاسِرْ

هَذِي سِمَاجَه قَام جَا يِتْجَاسَرْ** خلَّى القُوم لْكُل في مَرْشَانَة

تُوجَد مِنهُم *** أفْراد يَاسِر إنْ تْجي تَسْألهُم

عَن هذا الأمْر لْكُل تاخُذ مِنهُم *** أفكارهُم الطَّالْبِين إِدْوَانَه

(جريدة ابو نواس 29نوفمبر 1909)

ويفصِّل الشاعر الشعبي ضو لطرش التوزني (1876/1954)وقائع حرب 48 متفائلا بنجدة الجيوش العربية قائلا

فْلِسْطِينْ كَانُوا أهْلها غُيَّابْ *** والله مَا نِحْسَابْ *** عِنْدهَا مِلايِنْ تِحِتْ سَبعِ مْلُوكْ

كُلْ حَد جَاهَا بْطَانْقُو دَبَّابْ *** مَا تِعْرْفلَّه حْسَابْ*** وْخَلَّفْ اللِّي فِيها يَا دْرُوكْ دْرُوكْ

عْبُودَة بِجَلْهاَ وْجَابْ فِيها شْهَابْ*** خَلى الرِشَادْ تْرَابْ** تَلْ أبِيبْ خَلاَّهَا جِبَلْ وْشُوكْ

وْبِنْ سْعُودْ مَا يِغْلبَه غَلاَّبْ** لْيَا كَانْ رَبَّي نَابْ** عَبد الإلَهِ وْالمَلِكْ فَارُوقْ

هُوذَا الثِّلاثَة كُلْ حَد فِي قَابْ** سَادِّينْ فَمْ البَابْ** لاَ تْجي قِدَانَا لاقِدَاكْ نْجُوكْ

مَرْصُودْ لِينْ نْعَذْبُوكْ عْذَابْ** يَا كَلِبْ يَا كَذَّابْ** وْهَا الفِعِلْ مَا هُوشِي عَوَايِدْ بُوكْ

القُوقْجِي مْنِينْ زَرْيطُو لَقْتَابْ** مَرْحُومْ سِيدَه جَابْ** وِزِيرْ الوْزَارَة سَلِطْنَة وِحْرُوكْ

مِنْ شَرِقْ لُرْدُنْ دَارْ بِيهَا وْجَابْ**جَتْ داَهْمَه زِرْدَابْ**بِدي الرِيمْ والدُّخَانْ يَرقَى وُوُكْ

رَاهُو انْقِلِيزِي نَحْوِكُم يِخْيَابْ** سَاسْ العَدُو قَلاَّبْ** وْسَاسْ العَدُو مَا تََعْمْلاَشِي خُوكْ

يْهِبْ الفِلَكْ وِيْزَيِّرْ الكُلاَّبْ** يْظَلْ ذِرْكُمْ هَرَّابْ** تِمْشُو هَتَايَا تِتْنَسَى وْنَنْسُوكْ

(الشاعر ضو لطرش شعر الوطن ونجع الشعر محمد الناصر بالطيب مطبعة الخدمات السريعة قابس ط1 مارس 2000)

وفي نص رمزي بارع يختلط فيه القصص الشعبي والديني بالحوداث السياسيَّة يصور الشاعر الفحل محمد بورخيص الدغاري(1867/1947) ما جرى بفلسطين

يِحْكُو بْحَرْب الكَايْنة فِي فَلَسْطِينْ ** بِينْ الطَّاشْمْتِينْ

         تِكَسَّرْ جِيشْ المَهِوْدَة وانْقَامْ الدِّينْ

يِحْكُو بْحَرْبِ الكَايْنَة تَوَّا مَوْجُودْ ** بِينْ نْجُوعْ البَادْيَة وْقُومْ الضَلاَلَ

قَالُوا بَرْ القُدِسْ نِزْلُوا فِيهْ يْهُودْ*** طُلْبُوا إدَارَة مَمِلْكَة مُوشْ اسْتِنْزَالْ

أهْلَه مَا حَبُّوشْ مَا قِبْلُوا مَضْمُودْ** فَكُّوا لَرْضِ مْتَاعْهُم ايْمَنْ وِشْمَالْ

مَاهُو رَايْ المَهْوْدَة كَافِرْ كَنُودْ** قَالِلْهُمْ تِرْخُولْهُمْ تِبْزِيعْ المَالْ

رُهْنَتْها لَسْلاَمْ بَحْجَايِجْ وِعْقُودْ** دَارُوا فِيهَا مَمْلكَة وْسُوقْ وْدَلاَّلْ

قِسْمُوا لَرَضْ أثْلاَثْ قِمْرَاوَة وِحْدُودْ ** وِجْري فِيها الزِّرْسْ وِوْقَفْ البُرْطَالْ

شْوَيْ قِعِدَتْ مِتْخَبْلة لْيُومْ المَوعُودْ** سَابِقْ فِي التَّارِيخْ فِيهَا يْصِيرْ قْتاَلْ

(مختارات من ديوان بورخيص الدغاري جمع الضاوي موسى مطبعة تونس قرطاج ط1 سنة 2016 ص 80)

ونلاحظ عمق استشراف الشاعر وادراكه بتعقد القضيَّة واستمراريَّة الحرب وحقيقة المعركة الوجودية والتاريخيَّة

ومن الجانب الاخر تجلَّى الانخراط التام للشعراء الشعبيين اليهود التونسيين في المشروع الصهيوني فقد انتشرت أغنية شعبيَّة للشاعر اليهودي يوسف حجَّاج من سوسة تُنشد في موسم زيارة ضريح الربي يعقوب سلامة بنابل تقول

طَالِبْ مِنَّكْ يَا مُولاَنا ** تْخَلّصْنَا مِنْ كُلْ عْذَابْ

وِتْفَرَّح قْلُوبْنَا الحْزَانَى** وْكُلْ مِنْ زَارْ تْزهَّي أيَّامَهْ

فَرَّحْنَا يَا سِيدْ قَاسِينَا ***وْللقُدْسِ لْكُلَّنا تِدِّينَا

عْجَايْبِكْ نْحِبُّو تْوَرَّينَا ** بْجَاهْ سِيدِي صَاحِبْ الفَخَامَه

(مقال التصوف الشعبي ليهود تونس محمد العربي السنوسي مجلة الحياة الثقافيَّة السنة 25العدد 112 فيفري 2000 ص 58)

هكذا نلاحظ ان الشعراء الشعبيين التونسيين رغم غلبة الأمية وتجهيل الاستعمار وانقطاع السبل والتواصل مع المشرق العربي تفاعلوا بحماسة مع قضية فلسطين في نكبتها الاولى رغم انهم يقاومون استعمارا بغيضا وساهمت قصائدهم في بث الوعي وايقاظ الهمم ودفع حركة التطوع والانجاد والجهاد التي نفر فيها الشباب التونسي للدفاع عن ارض فلسطين المقدسة الطاهرة

spot_imgspot_img