spot_img

ذات صلة

جمع

هل نهاية للعولمة؟

الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم عندما فرض الرئيس الأمريكي "دونالد...

أنا أحب إذن أنا موجود: أو الفلسفة والفائض من الغرائز

بقلم الأستاذ: الأسعد الواعر أنا أحب إذن أنا موجود هو...

آنِي.. فِي كَنَفِ “الآنِي”

الكاتب والشاعر: شاهين السّافي يذكر أنها تلقت أغرب طلب...

“أهيم عشقا بأمّ القرى ” لجلال باباي: مراثي الخريطة…

رياض خليف تصفحت هذا العمل كثيرا، مقتفيا خطى كلمات الشاعر...

ترانيم للغياب « سامية بوعتور»

بقلم د أحمد بقار جامعة ورقلة  الجزائر

الشاعرة السيدة سامية عمار بوعتور شاعرة تونسية واكبت حقبا متباينة في تاريخ تونس الحديث والمعاصر، وهزتها طعنات الفقد ، و هي الشاعرة الحساسة التي عركتها الشعرية الفياضة ، فكتبت نصوصا تعكس فيها روحها المكلومة من فقد أسماء كانت تشكل رقما مهما في مسيرة حياتها ، فكانت هذه المجموعة الشعرية التي وسمتها ب ( ترانيم للغياب) .

الغياب الذي يحدث في الروح فراغا ، الغياب الذي يجعل الراحل يتوارى عن الأنظار لكنه يسجل جرحه العميق في القلب والكبد، حتى الإهداء جاء بالجملة ؛ لأن سامية فقدت الكثير : ( إلى أرواح جداتي وجدودي، وكل أهلي و أقاربي الطيبين، إلى أرواح الشعراء المعاصرين، وإلى كل من تفاعلت مع قضاياهم الإنسانية وقصفهم الموت على حين غرة)، إذن هو ألم بالجملة ، و يصدق في ذلك قول الشاعر العربي :

فلو كان سهما واحداً لاتقيته       ولكـنه سهمٌ وثانٍ وثالـثُ

جاء غلاف هذه المجموعة الشعرية باللون الأخضر ، لون يحبه عشاق الجنة ؛ لأن الجنة هكذا توصف ، و هكذا يتمناها كل حبيب لحبيب فقده ،  ويعلو الصفحة اسم الشاعرة المكلومة ، و يأتي العنوان باللون الأسود يكاد يتوسط الغلاف وبخط ضخم ، يعكس عظم الخطب، وهذا اللون في عموم استعماله في بلاد المغرب الكبير يرمز إلى الفجيعة و الموت والكآبة المصاحبة لكل عملية فقد،   والملاحظ أن العنوان جاء مزاحما بألوان الطيف الأخرى ( الأزرق ، الأحمر ، الأصفر، الأخضر الغامق ، البنفسجي ) ، وهذا التنوع في الألوان يعكس بدءا ألوان الفقد الذي ألم بروح الشاعرة، والذي نجده متماهيا مع الإهداء الذي يعكس الكثرة والتنوع في صور الراحلين

الصورة المرافقة للغلاف تحمل رمزية مكثفة ، وهي تجمع ما بين لونين هما الأسود الطاغي على الصورة و الأبيض الذي يتسلل بحياء بين أمواج السواد، والصور التي تتكون – في العادة – من هذين اللونين تعبر عن الجيل القديم من الصور، الجيل الذي يطلق على من عانقوا زمنه بالزمن الجميل .

السّواد يلف أرواح محبي الراحلين و يطويهم بلونه الغامق،  الذين ذهبوا   ولم تبق منهم سوى الذكريات الجميلة التي يعكسها اللون الأبيض الباهت ، الذي يتشكل في صورة يد يمنى منفرجة متزاحمة بحروف متداخلة لا تشكل كلمة أو معنى واضحا ، فاللغة أحيانا تقف عاجزة بكل ما أوتيت من قوة المعنى، وسطوة الدلالة عن أن تعبر عن آلام الروح، وتبدو في عمق السواد من الصورة ملامح فتاة في ثوب الزفاف وتشع من يدها حزمة ضوء، وهي تتقدم نحو نفق، هو نفق في أبسط تقديراته نفق الرحيل الأبدي، ولا يبقى من الراحل إلا حزمة من الذكريات التي تمر بخاطر المكلوم بالفقد . أضف إلى ذلك أن هذين اللونين هما لونا أحلام النائم، أو اليقظان، إذ لا يتفاعل في المخيلة إلا هما.     

جاءت ترانيم الغياب في عشرين نصا كلها في رثاء الأقارب و الأباعد بالنسب الأقارب بالروح ، فهم بالنهاية بدلالة النصوص يشكلون أسرتها الكبيرة  ، هي سبعة عشرة نصا عموديا متوزعا على أنغام أوزان الخليل .، و ما بقي منها نصوص من الشعر الجديد ؛ شعر التفعيلة ، من نصوصها مرثية والدتها التي تعتصر معانيها ألما ، و تعلوها حكمة بليغة :

سيف المنيـــــــــــــــــة قد شهر           حتما ستلحــــــــــــــــــــــــــقنا الغير …

هي ذي الحيــــــــــــــــــــــاة معابر         و الموت فـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيها لا يذر

ما زال يقفــــــــــــــــــــــــــــــو خطونا         متعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــقبا كل البشر

طوبى لمن خـــــــــــــــــــــــــاف المما          ت و عــــاش منه في حذر …

أو لم يكــــــــن يلقى الردى             كلٌّ الأنــــــــــام … و إن كبر ؟؟

آه من المــــــــــــــــــــــــــــــــوت الذي          نصب الكمــــــــــــــــــــــــــــين و لا مفر

عض المنـــــــــــــــــــــــون أميمتي           و قضى بمــــــــــا شاء القدر    ص 13

ومن نصوصها في الشعر الجديد مرثية في الشهيد الصغير « محمد الدرة « :

محمد ….

وصوت الرصاص توعد …

ووجه الصبي البريء تجعد …

كطير … يعشش تحت جناح أبيه …

وتحت الجدار ، تحرق شوقا نحو ذويه …

يريد احتماء … ويبغي بقاء …

وباسم البلاد يغرِّد …

«   «   «   «

فيرمق وجه السماء الملبد

بنير العذاب و هول الحِمام …

فيصرخ سحقا لذي الوغد ،

أين الأمان … وأين السلام … وعيش الوئام ؟؟

و يمضي الرصاص يهدد …            ص 63

تمتاز لغة الشاعرة في العموم بالتلقائية والبساطة والسهولة، فلربما الفجيعة في الفقد جعلتها لا تراقب أدواتها، فجاءت نصوصها مستعجلة تنفث عاطفية ومشاعر صادقة .

spot_imgspot_img