spot_img

ذات صلة

جمع

“الفاشية الامريكية” الجديدة ماهي؟ وكيف تعمل؟

الكاتب: حسني عبد الرحيم منذ صعود" دونالد ترامب" في ولايته...

ذاكرة كتابي الأوّل: المجموعة القصصية”هنا لندن ذات مساء…”

بقلم: رياض خليف 1صدرت هذه المجموعة 2002عن دار الإتحاف بسليانة...

الأسْطُولُ.. ومَا يَسْطُرُونَ..

شاهين السّافي لا حديث في هذه الأيام إلاّ عن "الأسطول"....

جمعية قليبية للثقافة والفنون والتراث تحتفي بالشاعر عادل المعيزي

بقلم: أسمهان الماجري السبت 27 سبتمبر 2025 تم تقديم كتاب...

الرّمز والرّؤيا والتّشكيل الجمالي في المجموعة الشّعرية “حين تورق الكلمات”.. للشّاعرة التّونسية: مفيدة الغضبان

الباحث والنّاقد: عبدالحميد الطبّابي                   "حين تورق الكلمات" مجموعة شعريّة...

“الفاشية الامريكية” الجديدة ماهي؟ وكيف تعمل؟

الكاتب: حسني عبد الرحيم

منذ صعود” دونالد ترامب” في ولايته الثانية والتي أصبحت حدثا مقلقا لأمريكا وللعالم أجمع عاد الحديث بقوة عن” الفاشية” وكان يُظن بعد هزيمة المحور الفاشي-النازي في الحرب العالمية الثانية أنها ذهبت بغير رجعة وكان يُظن أيضا بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي المكان الوحيد الذي لا يمكن أن تطوله يد الطاعون الفاشي.. وكان يُظن أن الدستور الأمريكي الذي يحتوي على ضمانات صارمة لحرية التفكير والقول وكذلك تنظيم محكم للفصل بين السلطات ثم لاحقا قوانين للحريات المدنية. على الرغم من أنها شهدت في تأثيثها وخلال مراحل توسعها وبناءها أعمال من العنف الإرهابي سواء تجاه السكان الأصليين أو العبيد السود الذين عملوا بمزارع الجنوب وجماعات مرعبة وانتهى ذلك قانونيا بهزيمة الجنوبيين (الكونفيدرالية” في الحرب الأهلية كـ”الكلوكس كلان” كان تقوم بشنق السود الهاربين من العبودية على الأشجار وكذلك قوانين” جيم كرو”(القرن العشرين) للفصل العنصري في وسائل المواصلات، والمقاهي، والمدارس، وغيرها! ثم في عنفوان الحرب الباردة الحملة المكارثية التي استهدفت الفنانين والكتاب والأدباء والعلماء الذين كان من بينهم” شارلي شابلن” و”آرثر ميالر “و”مارلون براندو “ومصمم القنبلة الذرية” أو بنهايمر” كان استهداف الحركة العالمية المنظمة أساسي ف”ساكو وڤيزيتي” تم إعدامهم بتهم مزورة وكان الماڤيا المنظمة وسيلة أصحاب الأعمال لتهديد الحركة العمالية وسحق روادها! “ادغار هوڤر” رئيس “التحقيقات المركزية” لأربعة عقود كان وجهاز القوة التنفيذية الأشد غطرسة! خلال قرن من الزمان اغتيل اربعة رؤساء أمريكيين والعديد من سياسي الصف الأول الأمريكيين في القرن العشرين! كان العنف عامل اساسي في السياسة الداخلية لأمريكا طوال القرنين الماضيين لكن لم تتطور حركة شعبية فاشية منظمة يمكنها أن تستولي الى الحكم والذي لا يمكن سوى بحرب أهلية …

الركود الكبير (1929-1933) نتج عنه بطالة عميقة وترحال بين الولايات للبحث عن عمل وأحيانا مأوى، كتبه الروائي” جون شتاينبك” في روايته “عناقيد الغضب” والتي تحولت لفيلم فيما بعد.. وكان تدخل الحكومة الفيدرالية ببرنامج كينزي للأشغال العامة والمعونة الاجتماعية هو الذي ساهم في الخروج من الأزمة وجاءت الحرب العالمية الثانية لكي تسمح بالتشغيل عبر المشتريات العسكرية والتجنيد والمبيعات الضخمة للحلفاء.. وكان الاتساع الهائل للولايات المتحدة هو ما سمح بتهجير الأزمات من الساحل لشرقي للغرب الأوسط والباسفيكي.. ونشأت مجتمعات ومدن جديدة استوعبت المهاجرين من الشرق مع بناء خطوط الكسك الحديدية والطرق السريعة مما سمح بامتصاص فائض العمالة وأدّى لازدهار الساحل الغربي في كاليفورنيا وبالقرب منها “نيڤادا.-لاس فيجاس” خلال هذه المرحلة نشأت تجمعات ذات توجهات فاشية ولكنها في ظل الاستقطاب بين المحور والتحالف لم تتحول أبدآ لتيار شعبي فاشي ذلك لأن الحركة العمالية المنظمة كانت ضعيفة جدا وتحت سيطرة العصابات المستأجرة من أصحاب العمل لفض الإضرابات والعنف المنظم تجاه النشطين النقابيين ونشأت في ذلك الحين مجموعات المنظمين الاجتماعيين (سول الينسكي) والتي شكلت مقاومة اجتماعية مؤثرة.

بعد الحرب خرجت الولايات المتحدة زعيمة للعالم الغربي وساهم مشروع مارشال لإعادة أعمار أوربا في دفع النمو في الولايات المتحدة وساهمت الهجرة من علماء أوربيين كبار في دفع التطور العلمي والتقني وفي تحول أمريكا للقاطرة للنظام الرأسمالي برمته!

خلال الحربين الكورية والفيتنامية كانت الصناعات العسكرية قاطرة أخرى للاقتصاد الأمريكي وهيمنة المجمع الصناعي العسكري على قطاعات واسعة من الاقتصاد يلازمه الشركات البترولية والتي حلت محل النفوذ البريطاني في الشرق الأوسط لكي تهيمن أمريكا المنحة الأولى للنفط الخام على الطاقة العالمية مع التوسع داخليا في إنتاج الكهرباء من المحطات النووية! التوسع الاستهلاكي للأجهزة المنزلية والسيارات مع اتساع وازدهار الطبقة الوسطى الجديدة وانتشار مراكز التسويق الضخمة (مونمارت) وصناعات الترفيه(هوليود) والتي جعلت الهيمنة الثقافية الأمريكية واقع الحال حتى في أوربا (نمط الحياة والحلم الأمريكي) الاحتجاج الأهم أتى مع استمرار والخسائر في حرب وخاصة في الجامعات المرموقة (هارفارد وكلومبيا وبرينستون…) لكن ظلت هذه التحركات الواسعة داخل المجال الطلابي وظهر تأثيرها الثقافي في وودستوك.

الدستور الأمريكي يحتوي على التعديل الثاني والذي يعتبر الحق في حمل السلاح من الامور البديهي في مواجهة صعود ديكتاتور للسلطة وأصبح شراء والاحتفاظ بالأسلحة ضمن مظاهر الفولكلور ومع تنوع المليشيات المسلحة صارت الجماعات اليمينية المتطرفة لديها مليشيات بألاف وتقوم بتدريباتها وتنظيمها دون تدخل من السلطات العامة وعمليات إطلاق النور العشوائية في تجمعات سكانية هي أخبار يومية وحروب العصابات (الماڤيوزي) على مناطق النفوذ والاغتيال السياسي في الولايات المتحدة شمل أربعة رؤساء منهم الرئيس الجمهوري الأيقونة “إبراهام لينكولن” والرئيس الديموقراطي “جون كيندي” وعشرات من الفاعلين السياسيين .

التحول اليميني في السبعينات والثمانينيات بدءا من رئاسة “نيكسون” حتى «رونالد ريجان” والاستراتيجية الجنوبية للوصول للحكم عبر الانتخابات حيث يتركز النفوذ المحافظ في الولايات الكونفدرالية السابقة التي هُزِمت (ذهب مع الريح) كان تعبير عن تحول في جذور المجتمع الأمريكي من البروتستنتية المعتدلة الطقوسية للخلاصة المسيحية المسيسة وفي قلبها المسيحية الصهيونية عبر كنائس ومئات من محطات الراديو تولاها محرضين كارزميين شكلوا قيادة روحية لملايين المواطنين غير المسيسين وهذه المحطات والكنائس تمتلك أموال ضخمة من تبرعات مالكيين كبار ورجال أعمال وبعض هؤلاء الوعاظ يتنقلوا بطائرات خاصة. وعلى الجانب الآخر تطورت خلال حركة الحقوق المدنية كنائس تحررية فِي أوساط السود لكنها أفقر وأقل انتشارا (مارتن لوثر كينج) في ظل بقاء السود خارج المسارات الاقتصادية الكبرى إلا فيما يخص الرياضة والترفيه.

الحركة العمالية المنظمة في نقابات توسعت أيضا وهي برجماتية فيما يخص السياسة وتميل بشكل عام لتأييد الديموقراطيين حيث لا يوجد حزب عمالي كبير كما هو الحال في أوربا (إيطاليا -فرنسا -إنجلترا ودول الشمال).

العولمة وسيادة اقتصاد المضاربة المالية ادى من ناحية لهجرة الصناعات التقليدية والتي يعمل بها العمال ذو الياقات البيضاء من البيض البروتستانت (الواسب) وتحول قطاعات واسعة منهم للبطالة المستدامة وساهمت كذلك في هجرة واسعة من بلدان أمريكا اللاتينية ضمت ملايين بلا أوراق إقامة قانونية يعملون في الظل ويشكلون مجتمعات تتواصل باللغة الإسبانية في كاليفورنيا ونيو مكسيكو ونيويورك .

أدى انفجار سوق المال بتأثير من المضاربة والرهن العقاري لإفلاس عدد من المؤسسات المالية الكبرى مما أستدعى دخول الدولة لإنقاذها وإنقاذ العيد من الشركات الصناعية..

صعود شريحة جديدة من انتلجينسيا “وادي السليكون ” وهي ليست متشابهة مع الانتلچينسيا القديمة والتي تعلمت على كتابات “جون ديوي” وخرجت من المحاججات الفكرية في جامعات مرموقة ك “هارفارد” و”برنيستون” والشريحة الجديدة موضوعها الرئيسي الأدائية المعلوماتية والربحية وتضم ناس ك “زكوبرج” و”التمان” وحتى “بيزو “و”ماسك” ومضاربي العملات الرقمية)”بيتيكون”، وهي توفر مثل اجتماعي للنجاح وللصعود السريع للقمم المالية وتوفر كذلك موارد مالية هامة للحملات الانتخابية ومراكز البحث اليمينية.

صعود “باراك أوباما “لدورتين كرئيس أسود له أقارب مسلمين أيقظ مخاوف” الواسب” وخاصة في الولايات الجنوبية من تحولهم لأقلية ديموغرافية. كانت حركة “حفلة الشاي” أول استعراض تعبوي جماهيري يميني متطرف وكذلك مع حملات حول ديانة أوباما وموطن مولده وعلاقاته مع واعظ راديكالي وأستاذ التاريخ الفلسطيني “رشيد خالدي”.

جاء انتصار” دونالد ترامب” على المرشحة “هيلاري كلينتون” في دورته الأولى والتي ترافقت نهايتها مع جائحة كورونا لتؤدي لإنتصار “بايدن” المتردّد والعجوز كمحاولة لعكس التيار الأوبامي سواء في المسائل الاجتماعية والسياسة الخارجية (إيران).

جاء إنكار اليمين المتطرف لنتائج الانتخابات والهجوم على الكابيتول لتمهد الطريق لتعبئة وطنية مستغلة التضخم والأكاذيب عبر الأثير ليصل المحافظين للحكم مسيطرين على المجلسين والمحكمة العليا والبيت الأبيض. بشكل عام هناك تحول من اليمين المحافظ لليمين المتطرف شبه الفاشي خاصة في الولايات الصناعية حول بحرية ميتشيغان

الهجرة الغير قانونية من اللاتينيين من أمريكا الجنوبية قد وصلت لعدة ملايين يعملون في الخدمات والزراعة ومعهم أسرهم وينجبون أطفالهم هناك بما يتيح حصولهم فيما بعد على الجنسية أو الإقامة الشرعية بالإضافة إلى موجات أخرى من المهاجرين من آسيا والشرق الأوسط هيجت هواجس أ لأمريكيين البيض من تحولهم لأقلية عرقية وبينما قطاع من الطبقة العاملة البيضاء في الصناعات المعدنية والمناجم (أوهايو وبنسلفانيا وميتشيغان) في بطالة طويلة و مستدامة بعد انتقال العديد من الأنشطة لآسيا بحثا عن العمل الرخيص ويتم تحريض العاطلين بأن المهاجرين يأخذون وظائفهم ويمارسون عادات ثقافية لا تروق لهم وحتى داخل النقابات العمالية القديمة هناك شعور بمعاداة المهاجرين الغير منظمين.

لا مطابقة بين الصعود الفاشي في أوربا الثلاثينات والذي كان في مواجهة الحركة العمالية المنظمة والشيوعية واللتان اختفيا من المسرح في أواخر القرن الماضي، ولا تُشكل الصين ولا روسيا حتى الآن منازعا دوليا لهيمنة الولايات المتحدة! لكن هناك واقعيا نمو للسلطوية في أمريكا إلى أرضية تحالف اجتماعي محافظ! وتحوّل عن التحالف الغربي وإندفاع لاستخدام قوتها العسكرية في الخارج لتثبيت هيمنتها وزيادتها ربما بالاحتلال المباشر.

هناك صعود مماثل لتيارات فاشية في أوربا الغربية واليمين المتطرف الأمريكي يدير شبكة دولية قوية ظهرت قوتها في مظاهرة لندن (150 ألف) عقب اغتيال المحرض “تشارلي كيرك” وهو أحد خلصاء الإدارة الحالية وكان يقود شبكة ترامبية تدعو للبروتستانتينية المسيسة بمسمى ” نقطة تحول” بين الشباب المحافظ تحت شعارات معادية للمهاجرين والمسلمين والحركات الجندرية وتأييد مطلق لإسرائيل.

الجديد في الأمر أن اليمين المتطرف الأمريكي يدير شبكة دولية لليمين شبه الفاشي عبر الأطلنطي والعديد من المسؤولين في الإدارة وحركة “ماجا”(كبير الاستراتيجيين “ستيف بانون “واستيقان ميللر ” و”إيلون ماسك” ) وهم ضالعون في ما يشبه أممية (دولية) فاشية لها أهداف وخطط معلنة ربما مستوحاة من كتابيْ “صراعات الحضارات”- للأمريكي صوميل هتنجنتون – والانزياح الكبير “-للفرنسي” رينيه كامو”- الذيْن يدعوان لحروب ثقافية بين الحضارة “اليهودية- المسيحية” و”الإسلام” و”البوذية” وهناك تحالفات أكيدة مع الصهيونية الأصولية التي تحكم إسرائيل والتجمعات الدينية الألفية.

هناك تيار فاشي ينمو ويتوسع في أمريكا وهو ذو جذور ثقافية ودينية تعود للتأسيس! وكذلك في الغرب الذي مر بالتجربة المرعبة في القرن الماضي.. من المستبعد انتصار الفاشية الجديدة في المدى القصير فليس هناك خطر على نظام الإنتاج الرأسمالي من قبل بدائل اجتماعية منظمة ولا توجد ضرورة لخوض حروب أهلية كما في حالة أوربا في العشرينات والثلاثينات أو ما يسمى” الفاشية الأصيلة” للحفاظ على نمط الإنتاج والثروة الرأسماليين.. ولكن لا يمكننا استبعاد نهائيا- في المدى المتوسط- تشكل أنظمة فاشية جديدة أمريكية وبروتستانتية وتتبعها أوربا الكاثوليكية والهند الهندوسية وفي الصف الأول إسرائيل الصهيونية! كابوس “اليمين المتطرف” لو تحقق سيكون العالم شمولي مرعب لم يتخيله حتى الروائي” لورانس أوريل ” في روايتي “1984” و” حديقة الحيوان” .

spot_imgspot_img