spot_img

ذات صلة

جمع

هل نهاية للعولمة؟

الكاتب والناقد: حسني عبد الرحيم عندما فرض الرئيس الأمريكي "دونالد...

أنا أحب إذن أنا موجود: أو الفلسفة والفائض من الغرائز

بقلم الأستاذ: الأسعد الواعر أنا أحب إذن أنا موجود هو...

آنِي.. فِي كَنَفِ “الآنِي”

الكاتب والشاعر: شاهين السّافي يذكر أنها تلقت أغرب طلب...

“أهيم عشقا بأمّ القرى ” لجلال باباي: مراثي الخريطة…

رياض خليف تصفحت هذا العمل كثيرا، مقتفيا خطى كلمات الشاعر...

التّجديد الشّعري في مجموعة “امرأة من نار”..

عبد الحميد الطبّابي: ناقد تونسي

 يقول الدكتور حميد الأحمداني(1):<<..وإن كانت الاستعارة قد احتفظت بمكانتها التعبيرية في الشّعر العربي الحديث، فإنّ مقتضيات الحياة الجديدة، جعلت أشكال التّعبير القديمة، خاصّة تلك التي وسمت البلاغة العربيّة، غير قادرة على تلبية العمق المعرفي والوجداني للإنسان العربي المعاصر الذي تشبّع بالفلسفة واستوعب التّاريخ الإنساني والرّصيد الثقافي والأدبي العالمي. فكان على الشّعر أن يستجيب لهذا الأفق الجديد بوسائل تعبيريّة جديدة، كالرّمز وتوظيف التّاريخ والأسطورة، وإدراج البنيات التّمثيلية السّردية في تضاعيف التّعبير الشّعري، وقد أدّى هذا التطوّر المعرفي بالضّرورة إلى تحوّل جذري في بنية القصيدة العربية التي كانت معتمدة على البيت الشّعري وأصبحت تعتمد على البنية العامّة للقصيد أو كما يدّعى: وحدة القصيدة الفنية والمضمونية..>>.

         انطلقنا من هذا الاستشهاد، لأنّه يحيط تماما بمفهوم تناولنا للمجموعة الشعريّة “امرأة من نار”، سواء من خلال الأشكال الشّعرية الجديدة المعتمدة في جلّ نصوصها، أو من خلال توظيف الأساليب الجديدة في البنية العامّة لقصائدها.

لكن حريّ بنا لمزيد بلورة وتعميق المفاهيم الجديدة التي اعتمدتها فضيلة مسعي في نصوصها، أن نعود قليلا إلى الوراء، زمن الثّورة الشّعرية في الأربعينات من القرن الماضي وتمزّق جلباب الشّعر العربي القديم، باقتحام قصيدة التّفعيلة للمجال الشّعري العربي بقوّة وتحدّ. والذي لم يتوقّف عند حدود تكسير هيكل الأوزان الخليلية والتمرّد على القافية، بل تعدّاه إلى تفكيك بنية القصيدة القديمة وإدخال تصورات ومفاهيم أخرى على التركيبة الشّعرية وأشكالها.

         إن كان أمر الرّيادة محسوما لفائدة مبدعي قصيدة التفعيلة أو ما أصطلح عل تسميته فيما بعد بالشّعر الحرّ (بدر شاكر السيّاب ونازك الملائكة)، فإنّ الأمر يكاد يكون محسوما أيضا، بأنّ الأوّل هو الأسبق إلى ذلك، بنشره أوّل قصيد تفعيلي سنة .1944 وإن استطاع هذا النّمط الشّعري فرض نفسه على مجال الشعر العربي اليوم، فإنّ ذلك لم يكن بالأمر الهيّن الذي قد يتبادر إلى الذّهن، فقد كان الصّراع مضنيا، قبل أن يتمّ الاعتراف بهذا الصّنف الجديد. إذ تصدّى له العديد من مشاهير الأدب، من بينهم العقّاد الذي قاومه بشدّة، حتى أنّه لمّا كان مسؤولا على النّشريات الثّقافية بوزارة المعارف المصرية، اعترض بشدّة على نشر الشّعر الحرّ على صفحاتها.

         لئن استطاعت قصيدة التفعيلة أن تكسب موقعا متميّزا في ساحة الأدب العربي، نظرا لعديد الأصوات الشّابة التي تبنّتها آنذاك، وشرعت تنشر إنتاجها الشّعري على هذا الشّكل المستحدث، فعلاوة على من سلف ذكرهما، نضيف: صلاح عبدالصّبور، نزار قباني، البيّاتي وغيرهم.. فإنّ الرّفض القويّ قد أحاط فيما بعد، بما اصطلح على تسميتها (القصيدة الحرّة) في البداية، ثمّ (قصيدة النثر) لاحقا، إذ انبرى لها بالنّعال مُسْتَهْدَفُو الأمس من منشدي قصيدة التّفعيلة، ليشنّوا عليها بدورهم، حملة تشكيكية في محاولة لمحاصرتها وإخماد صوتها.

         كانت مجلّة “شعر” اللّبنانية ومنذ نهاية الخمسينات، هي المروّج والمدافع عن قصيدة النّثر، فقامت لها أصوات أنصار الشّعر التّقليدي وكذلك أنصار شعر التّفعيلة مستهجنة ومندّدة بهذه الطفرة الجديدة و”الدّعوة الغريبة الآثمة”، كما أطلق عليها أحد نقاد الأدب “جميل حسن “، في مقال تحت عنوان:<>حول قضايا الشّعر المعاصر>>(2)، يتعرّض فيه بالنّقد لكتاب نازك الملائكة في نقد الشّعر والذي هو بنفس عنوان المقال. ويذهب هذا النّاقد بعيدا في وصف محرّري مجلّة “شعر”، بأنّهم <<.. يضمون –بصورة ثابتة- عددا كبيرا من الشّعوبيين الحاقدين على أمّتنا وعلى تراثنا.. وأنّه استكمال للمخطّط الإجرامي الذي يتآمر على هذه الأمّة وعلى تراثها الثّقافي الذي جعلها ممنوعة على كلّ محاولات الإفناء والانقراض>>.

تبدي نازك الملائكة رأيها في قصيدة النّثر، فتصفها بأنّها تحرّر متطرّف في الشّعر ومصدر كبير للعيوب التي وقع فيها الشّعراء المجدّدون، واتّهمتهم بجهلهم حقيقة هذه الحركة وهذه الدّعوة والسّير في سبيلها دون مبالاة منهم بالنّتائج المترتّبة عنها. كما تصف الشّاعر المجدّد بأنّه سكران بشعوره بالحرّية، حتى يتسنّى له ما لا يجوز أن ينساه من قواعد الشّعر. وتضيف بصراحة أنّ القضية ليست قضية نسيان فحسب، بل هي عند بعضهم قضيّة جهل ( فإنّ كثيرا من الشّعراء الذين تلقوا الدعوة إلى الشّعر الحرّ في حماسة، لا يعرفون حتى الآن الغرض منها. وإنّ بعضهم يخلط بينها وبين الدّعوة إلى تجديد الموضوع في القصيدة العربية، وبعضهم يظنّ أن غايتها الوحيدة، هي تثبيت دعائم ما يسمّونه بالواقعية في الشّعر..

تضيف الناقدة محذّرة أصحاب قصيدة النثر ومجلّة “شعر” التي تدعمهم، فتحمّلهم مسؤولية بلبلة ذهن القارئ العربي الذي رفض الشّعر الحرّ عندما اطّلع على نثرهم المسمّى شعرا، وقاس باقي الشّعر عليه.. وتصرّ على اعتبار إنتاجهم نثرا بعيدا عن الشّعر، وتؤكّد لهم (بأنّهم إذا لم يعترفوا بأنّ الشّعر شعر والنّثر نثر، فلا بدّ أن يعترفوا بأنّ بينهما فرقا واضحا.. إذ أنّ هنالك شيئا اسمه الوزن، وهو يفرض نفسه عليهم مهما تجاهلوه..).

         هذه هي الاشكالية الأولى التي ننطلق منها في تقديرنا لمجموعة “امرأة من نار”، إذ هي تندرج ضمن قصيدة النّثر، ممّا يجعلها متّهمة في نظر نازك وأنصارها في الرّأي حتى اليوم، بعدم شعريتها. وهي في نفس الوقت، تتعدّى على حدود النّثر، فلا هي في نظرهم بالشّعر ولا بالنّثر، لأنّ هذا المنوال من الكتابة لا يلتزم لا بقواعد هذا (الشّعر) ولا ذاك (النثر).

لكن، بما أنّ الإيقاع الموسيقي موجود في الشّعر، كما هو موجود في النّثر، فإنّ الكاتب والباحث المغربي الفاتح الجيلالي بوهلال(3) يقول:<<.. لأنّ النّثر كما يقول “بارت” لم يعد اليوم مجال تعبير فقط، وإنّما غدا مجال افتتان أيضا، بل وبالأساس، فالنّصّ بهذا المعنى لم يعد يعبّر عن معنى ما، بقدر ما أصبح ينحو نحو تأسيس افتتان باللّغة. وفي اللّغة عناصرها النحويّة والصّوتيّة، إذ الشّاعر بالدّرجة الأولى، ليس فقط من يعبّر عن مضمون مستور في كلمات، وإنّما الشّعر/النّص هو من يحوّل اللّغة وما خارج اللّغة أيضا، إلى مجال للافتتان في توليف شعريّ محكم، حيث اعتباطيّة الكلام أقلّ كثيرا من اعتباطيّة اللّغة>>..

وفي مجال مؤاخذته على الشّعر القديم، يضيف الباحث فيقول:<<.. إنّ هذا الشّاعر كان دوما يحسّ أنّ هنالك أمرا ما يحكم علاقة كلامه نظما. إنّها القوانين النّظمية (الشّعريّة) من أوزان وتفعيلات، وعلاقة ذلك بما يريد أن يقوله في كلامه الشّعري (النّظمي). إلاّ أنّ القارئ لديوان الشّعر العربي، يكاد يلاحظ مدى هيمنة الصّفة (البنية) العروضيّة على باقي الخصائص أو الصّفات من دلاليّة ونحويّة، بمعنى أنّ تعارض العروض والتركيب في البيت الشّعري، يعطي دائما الفوز للعروض، وعلى الجملة أن تخضع له ولمقتضياته، وتتراجع إلى الوراء، إلى الخلف، إلى الدّرجة الثّانية>>.

ويؤكد الناقد أنّ الشّاعر التّفعيلي قد توفّق في تجاوز الوزن والعروض وأعطى كلّ همّه للجملة الشّعرية، للدّفق الشّعوري، للّغة تنفجر بكلّ إمكاناتها المتعدّدة، حيث يتراجع الوزن مشخّصا في تفعيلات، إلى الهامش، أو إلى الوراء على الأقل، حيث أصبحنا نرى الأمر ينتقل من تفتيت اللّغة (اللّفظة) أو التّركيب (المعنى)، للحفاظ على الوزن كتدوير وتضمين، إلى العكس من ذلك، إلى تفتيت البحر العروضي هذه المرّة، ثمّ تفتيت التّفعيلة كوحدة صغرى.. ولا يتكسّر المعنى أو التّركيب أو اللّفظة إلاّ حيث يكون ذلك في خدمة القصيد لا في خدمة العروض وحده.

         لئن كان الأمر يتعلّق أساسا بما سعى إليه شعر التّفعيلة، فإنّ قصيدة النّثر قد استغلّت الشّوط الذي بلغه هذا الصّنف الشّعري من ابتعاد كبير عن الوزن العروضي القديم، لتتحرّر نهائيا من العروض وأوزان بحوره ولم يعد يهمّها من الشعر سوى خضوع اللّغة لمعاييرها الخاصة، وخضوع القصيد لوزن داخلي وتوزيع موسيقي يلمسه الإحساس والذوق، وليس بسنّ القوانين العروضية المفروضة على اللّغة والطّاقة التّعبيريّة للشاعر. وإن كان هذا لا يقنع خصوم القصيدة النّثرية وما زالوا ينفون عنها شعريتها، فإنّه يعطي مبرّرا مفهوميّا لأنصارها ويجعلهم يتمسّكون بها وبالكتابة على منوالها. وهو ما يجعل الإشكال قائما ويبقى حسمه رهين التّطور الذي سيحدث في مجال كتابة الشّعر والتّنظير الذي سيلازمه ويؤثّر فيه.

ونحن إذ أوردنا هذه المقدّمة المطوّلة، فلأنّ مجموعة فضيلة مسعي تنخرط ضمن قصيدة النّثر التي لم تكتسب شرعيتها النّهائية بعد، كما أسلفنا ذكره، بل هي، في أغلب الأحيان، مرذولة أكثر مما هي مقبولة. بالتّالي، فإنّ كلّ متناول بالدّرس أو البحث والنّقد لقصيد نثري على أنّه شعر، هو مجازف يصعب تصديق رأيه. زد على ذلك أنّ الشّاعرة نفسها وفي قصيدها “إلى أبي نواس”، فبعد أن تعلنها صراحة بأنّها صعلوك شعر متمرّد على البحور وتؤكّد نفس موقفها في قصيد “برومثيوس” حين تقول:

واغتيل الشعراء

في بحر الغباء…

ولا أظنّها تقصد ب<<بحر الغباء>>، سوى بحر الشّعر، لتعود وتعترف بأنّ الشّعر القديم هو معين ترتوي منه حدّ السّكر وهو مرجعيّة الشّعر ومعه الأدب القديم “كتاب الأغاني، إعجاز القرآن، إيقاع الخليل، غناء القوافي..”، وهو أمر محيّر، إذ كيف تؤمن الشّاعرة بالمفهوم القديم للشّعر، وهي في نفس الوقت، تمارس كتابة الشّعر المضادّة، وهو ما جعلها، في نظرنا، تسقط في تناقض منهجي. غير أنّنا نستنصر برأي القدماء، حينما قالوا بأنّ ما يفرّق بين الشّعر والنثر ليس الوزن والقافية، فالشّعر لغة المشاعر، أما النّثر فهو لغة العقل والفكر، غير أنّ العقل يتكوّن من مشاعر أيضا، وبذلك يكون لكلّ نثر جانبه الشّعري.

         تعلّق اهتمامنا في مجموعة “امرأة من نار”، ببنيتها ودلالاتها ومضمونها. فهي مجموعة يحويها كتاب من الحجم المتوسط بثماني وثمانين صفحة، منها تصدير وإهداء، كلّ منهما بصفحة واحدة وتقديم على مدى عشر صفحات بعنوان:<<أقباس برومثيوس تخضّب “امرأة من نار”>>، للدّكتور بوشوشة بن جمعة، وأربع وعشرون قصيدة تتوزّع أطوالها بين صفحة واحدة وثلاث عشرة صفحة. غير أنّ أغلبها يتراوح بين ثلاث وخمس صفحات.

         من نظرتنا الأولى على تصميم الغلاف، يسطع إلينا عنوان المجموعة الذي يعكس لون خطّه، النار الملتهبة، وكذلك الوجه النسوي الذي يطلّ علينا من وراء حجاب شفّاف من اللّهب، بملامح جامدة ونظرة باردة تميل إلى الصّرامة. وهي صورة مربكة تجعلك لا تقرّر رأيا مسبقا حول محتوى المجموعة. وإن كان العنوان دون اعتبار الصورة، يحيلنا -من جانب- على عدّة مرجعيات ذهنيّة مترسّبة، كصورة المرأة الصّارخة وسط اللّهب، أو مشهد تطغى عليه صورة امرأة من تحت قدميها الدمار والاحتراق، مثلما دأبنا عليه في المعلّقات الإشهارية لأفلام السينما أو جنيريك المسلسلات التلفزيونية، وكذلك الدّوريات وحتى الكتب الرّوائية.. من جانب آخر، يمكن أن يوحي إلينا بمعنى المرأة الشّبقية التي لا ترتوي وتدمّر الرّجال. فإنّه لمن الصعب أن يرتقي إلى أذهاننا منذ البداية، مفهوم المرأة الثّائرة التي تتأجّج بداخلها النّار، جرّاء رفض واقع ما، أو احتجاج على وضع معيّن، ولا نقترب من هذا الإدراك، إلاّ بعد الاطّلاع على محتوى القصائد.

هذا الانطباع الذي يخامرنا عند الوهلة الأولى التي نطّلع فيها على المجموعة، يجعلنا حذرين في الولوج إلى قراءتها النّقدية واستكناه معنى نصوصها ودلالاتها. وأوّل الأبواب التي علينا النفاذ منها، كي نعبر إلى عالم الشّاعرة ونفهم تجربتها، هو حصر الصّور الشّعرية التي تولّد منها الشّاعرة كينونتها الخاصّة وتعبّر عنها قصائدها. وهذه الصّور الشّعرية هي الرّموز التي تتجسّد فيها تجربة الشّاعرة وقيمها ومفاهيمها للحالة الذّاتية وللظّواهر الخارجيّة، من خلال تكرارها في أكثر من موضع وأكثر من قصيد، لموضوعات وعبارات بعينها، لها دلالات شعورية عامّة، واستحوذت عليها الشّاعرة لتحوّلها إلى إشارات خاصّة تعبّر بها عن أعماق ذاتيتها وأصبغتها بأحاسيسها ومشاعرها. من ذلك المعاني والعبارات المتكرّرة : الحلم- الرّوح – جائع – كئيب – الدّموع – موؤودة – الموت – المخاض – تبكي – الوجع – نار القلب- أحببت – جرح العمر – السّجينة – الذّاكرة والذكرى- فجاج الرّوح- فوضاي- قلبي الحزين- خواء الرّوح – شرايين الحلم – الغربة.. وهي كما نلاحظ كلّها توحي بالتوتّر والمعاناة..

وأخرى تحاول فيها الشّاعرة أن تعطيها بعدا خارجيا مستقلاّ عن ذاتها، تصطبغ بالموضوعيّة، وتبثّ فيها قيمها وتقدّم من خلالها تفسيراتها للظّواهر والمواقف الحياتية الواردة في نصوصها، (في محاولة للتّأثير على القارئ واستمالته وتنبيه إدراكه إليها)، للكشف له عن بعض الأبعاد والحقائق النّفسية والاجتماعية وإقناعه بمفاهيمها حسب إدراك الشاعرة لها ونظرتها إليها، أو على الأقل، جعله ينفعل معها. وهذا هو شعر قصيدة الفكرة أو المفهوم الذي يعدّ أرقى أنواع الشّعر وفيه المستقبل الحقيقي لتواصله. ونلحظ ذلك في جلّ قصائد المجموعة، بصورها الشّعرية الموحية والحبلى بالدّلالات.

الأسلوب التعبيري للشّاعرة

         بما أنّ المفهوم الشّعري الجديد لم يعد يُعنى بالتّعبير الذّاتي والغنائي المباشر، وانتقل من التّعبير عن الأحاسيس إلى البناء الدّرامي، من خلال تتابع المشاهد واللوحات والتّصعيد التّدريجي للحدث وتشكيل الصّورة حتى بلوغهما درجة الاكتمال، مع تعدّد الأصوات واختلاف المواقف وتصارعها، بالإضافة إلى عنصري السّرد والخطاب وكذلك الحوار، مع اللجوء إلى الرّمز والأسطورة والحكاية وغيرها.. ممّا يدعم بناء القصيد ويفتح مجالا أرحب للتّعبير، مع الاهتمام بالتّفاصيل الجزئية، سواء النّفسية أو تلك التي تتعلّق بالوجود الخارجي. وقد أوضح ذلك الشّاعر عبدالوهاب البياتي عند تعرّضه لمفهوم (الدّراما والدّرامية في الشّعر)، في حوار أجراه مع النّاقد محمد مبارك، في السّبعينات من القرن الماضي، بعد أن نضج المفهوم وعرف المصطلح ودوره وأهمّيته في عمليّة التّناص الموضوعي بين الأجناس الأدبيّة في الشّعر العربي الحديث، حيث أشار إلى أنّ الشّاعر:<<.. لكي يعبّر تعبيرا دراميّا عن الحياة والوجود.. لابدّ له من خلق وجود مستقلّ عنه، أي لابدّ أن يبتعد عن ذاته إلى الموضوع، وأن يعزف عن الغناء الذي تردّى فيه أغلب الشّعر، ليصادر على الأشكال الدّراميّة في التّعبير، على أنّ هذه الأشكال وإن استقلّت عن ذاتيات الشّاعر فإنّها تظلّ تحتاج من تجاربه الخاصّة، وتتّخذ لها وجودا موضوعيّا في هذا الكون..>>. ويضيف أيضا:<<.. أمّا العنصر الدّرامي في القصيد، فهو أمر طبيعي، وذلك لأنّ الوجود نفسه هو دراما كبيرة وليس هو برؤية رومانسيّة باهتة>>.

انطلاقا من هذه الرؤية الشّعرية، اعتمدت الشّاعرة الحكاية القصصية والحوادث وتعدّد الشّخصيات والصّراع، واعتمدت الحوار في تناصّ مع أسلوب الدّراما والقصّة والرّواية، وهو ما حدا بقصائدها أن تنفتح على أبعاد أرحب وملامسة قضايا إنسانية عميقة وتَصَوُّر أشمل للعالم، بنظرة يتعالق فيها العام والخاص والذّاتي مع الموضوعي. كما تشمل قصائدها تداخل بين صرامة أحكام العقل مع تدفّق العاطفة. وهي تتراوح بين النّزوع إلى الذّاتية أحيانا واعتماد الموضوعي أحيانا أخرى، في تواشج متين في معظمه. ولئن تطرّقت فضيلة إلى التّعبير عن الذّات، فلم تكن تعني ذاتها كشاعرة بل كامرأة تختزل تجربة ومعاناة كلّ النّساء العربيات، وأحيانا كلّ نساء العالم، حتى أنّها في أول قصيد للمجموعة التي تحمل نفس العنوان “امرأة من نار”، تقول في مراوحة بين ضمير المتكلّم وضمير المخاطب:

أيا امرأة من نار

أيا وردة من شوك

أيا أنا

أيا أنت

يا أنت تشبهني

أنت يا أفعى الوجود

ملح البحار

همس الخطيئة

رمز الفضيلة..

وتقول في موضع أخر من نفس القصيد:

أنا امرأة من نار

أنا ليلى

بثينة

جلّنار..

وفي قصيد ” إلى أبي هريرة ” تقول:

كلّ النساء أنا

أنا كلّ النساء..

وهذه البنية المميزة للأشعار والحبكة الدّرامية للقصائد، عمّقت التّجربة الشّعرية لدى الشّاعرة، وجعلت غنائيتها متفرّدة من خلال تنوّع الإيقاع والنّغم المترددّ في كافّة مقاطع القصيد والتقطيع الملائم للأسطر. كما أنّ هذه الأشعار تتمتّع بموسيقى داخلية مرهفة وبإحساس الذّوق الرفيع، فجعلاها تكتسب رونقا فنّيا إلى جانب فتنة الفكرة.

         تخلّصت فضيلة إلى حدّ كبير من جزْل الابتهالات ونفث التّأوهات في محراب الشّكل الفنّي المجرّد من عمق الفكرة، ونزعت إلى الكشف عن تنوّع الواقع وثرائه، كما ابتعدت عن شعر الخيالات السّقيمة والتجارب الذّاتية المشاعة وشعر القوالب الخالية من حرارة الحياة وحركة الواقع وجدّية المأساة. أضف إلى ذلك ابتعادها عن الغنائية بمفهومها الرّومنسي ذي البعد الذّاتي وبأسلوبها المباشر، وعن تقريريتها وطغيان العاطفة فيها.

 

الرّمز والرّمزيّة في أشعار “امرأة من نار”..

         الرّمز هو طريقة في التعبير يستعين بها الشّاعر لاستعارة خاصيّة من خصائص المرموز به، أو إحدى ملامحه الظّاهرة أو صفة باطنة ليضفيها على المرموز له. كما هو إحالة من الفنّان الشّاعر للمتلقّي على ذلك الرّمز، للإيحاء له بفكرة، عبرة، لرسم صورة أو مشهد من خلال مميّزات ذلك الرّمز. وقد عوّض الرّمز في الشعر الحديث، في حيّز كبير منه، التّعبير المجازي في الشعر القديم.

والرّمز الشّعري قائم على التّعبير الباطني الذي ينقل المنظور إلى لامنظور أو اللاّمنظور إلى اللاّمنظور آخر. وهو ليس استخدام شيء بَدَلَ شيء أخر.

كما أنّه يختلف عن مفهوم الرّمزية، التي تتميّز بالإيحاء والإيقاع والتّناغم الدّاخلي الذي ينسج حول القصيدة كلّها، غِلالَة من الإبهام الموحي والغموض المثير والإيقاع المتناغم، وتنطلق من ضيّق المعنى المحدود إلى أفق الإيحاء الرّحب. وهي تصوّر الأشياء تحت حجاب شفّاف من الوهم والغرابة التي تنقشع بالتدرّج بواسطة الإيحاء (4). فاستخدام الرّمز في الشّعر، يختلف عن مفهوم اعتماد أسلوب الرّمزيّة.

وهو ما يميّز عديد المقاطع في شعر فضيلة التي يكتنفها الغموض والغرابة، وهي بذلك تلتقي مع عديد الشّعراء الرّمزيين الذين يرون أنّ الوضوح يضفي على الشعر برودة وجفافا، فتتلاشي روعته. كما يعتقدون أنّ لذّة اكتشاف معاني الشّعر ومراميه المغلقة الغامضة، هي من روح التّذوق الفنّي وجوهره. حيث إنّ الرّمزيين كالصّوفيين المتأملين يشاهدون الجمال المنشود من خلال ضباب الغموض.

ولعلّ الشّاعرة بوعي أو من دون وعي منها، عندما تستعمل تعابير من شكل: امرأة من نار، كبريت الحلم، غليون الريح، أساور الجمر، ضفائر الكون، معاصم الندى، جذع الصّدى، شخروب الذّاكرة، زجاج الحكايا، قناديل الرّموش، بيادر الوجع، خصر القمر، مُهْر(حنظل) القلب، فصوص الضياء، نوارس خزامى، أو بعض المقاطع مثل:

تتراقص في محاجر الصمت

فناجين الهوى

قوارير الجوى

وكذلك

هسهسات الأماني

تغازل ذهول المرايا…

نجمتان تومضان

في أضلع الريح..

عينان من رخام تكتحلان

بمساحيق الوجع

مخالب الصّمت

تجاويف الشّوق

تراتيل الرّموش

مزاريب الحنين

تهب عريها لجراد الطّريق…

فإنّها تلتقي مع الشعراء الرّمزيين الذين يعتقدون أنّ جوهر الأحاسيس واحد. والذين نعثر في أشعارهم على تعابير من قبيل: لحن شقي –رماد المنى – غفوة خرساء – ابتسامة صفراء – فكرة خضراء – شهوة بيضاء ودم أخضر (5) إلخ…

كما تلتقي فضيلة مع الشاعر الرّمزي في نزعته المثالية، الذي له إحساس بتعطّش جارف للانطلاق من حدود المكان والزمان إلى عالم ما وراء تلك الحدود. وهي تتشبّه به في معاناة نفسه، لصراع لا تخمد ناره، بين ما تتشهاه نفسه من لذّات محرقة وبين ما تهفو إليه روحه للتّخلّص من عالم المحسوسات. إذ هي روحانية في توق نفسها، متألمة في لذّاتها الماديّة..

 

قصيد القناع في أشعار “امرأة من نار”..

         من الواضح أنّ الشّاعرة تستعمل القناع عن إدراك ووعي بأبعاده الدّلالية والإيحاءات والإحالات التي يوفّرها هذا الشّكل من تقنية الكتابة (6)، ولما فيه من تضمين لمفاهيم ذات أعماق معرفية، تريد أن تبرزها الشّاعرة.. وهي توظّف قناعها من أبعاد الماضي والحاضر والأسطورة والحكاية وسيرة الأفراد وتاريخ الحضارات. حتى أنّ العديد من قصائدها أتت مبنيّة على تقنيّة القناع، وتحيل عناوينها على شخصيات عربية وغير عربية، أبرزت فيها التقاء روحها كشاعرة مع ضمير الشّخصية، للبوح بهمومها كفنّانة وما تستبطنه من معاناة وما تختزنه من رؤية نقديّة لواقعها كامرأة وتَصَوُّر لكينونتها المتأزّمة، تكشف فيه عن نظرتها المختلفة للظّواهر الحياتيّة.

وقد سعت الشّاعرة إلى إحداث مواقف درامية طريفة ومتميّزة في العديد من قصائدها، خاصّة في قصيدتي “شهرزاد الجديدة” و “أبوالعلاء وكليوبترا”، حيث نعثر على تكثيف دلالي مشوّق ومحيّر في نفس الوقت، من خلال التّلاعب بالأضداد وقلب المعايير والمفاهيم، ممّا يصدم القارئ ويربكه. كما نلاحظ أنّ الشّاعرة في بعض المقاطع من قصائدها، قد صعّدت التوتّر من بداية القصيد حتى نهايته وكثّفت المشاهد الدّرامية، بإخضاع الشّخصية المعنية إلى السّؤال المربك والمحيّر، أو تقديم هذه الشخصيّة في مواضع متناقضة ومتصادمة أحيانا، مع مواقفها وسلوكاتها التي عرفت بها. ولعلّ الشّاعرة في قصيد “برومثيوس” تستغلّ هذا القناع في أعمق مفاهيمه الموحيّة، لتعيد تحرير “برومثيوس” من أسطورته وتستمدّ منه قبس النّور وتأجّج اللّهب.. ولئن كان عذابه تأتّي بسبب سرقته للنّار، فهي تهدي له طواعية قدحها من النّار.. كما أنّها تكفّر عن نكبات المفكّرين والشّعراء الذين اغتالهم قمع التّاريخ، بأن أعادت إليهم شيئا من السّكينة وجذوة الرّوح، وأهدت إليهم لذّة انتصار ما بعد الموت، تقطع مرارة حزنهم التي صاحبتهم إلى القبر.

إنّ القناع شكل من تطوير القصيدة، وهو أسلوب فنّي راق، استفادت منه الشّاعرة بشكل بارع في تجربتها الشّعرية، وتوصّلت من خلاله إلى تكثيف الدّلالات وإبراز المعاني غير المرئية في ذات هذا القناع وجوهره.

المضمون الشّعري في مجموعة “امرأة من نار”..

         يقول الشاعر الأنجليزي “شيلي” (7) في ملحمته “برومثيوس طليقا (8)”:<<إنّ الفنّ يعود إلى النّاس، ويجب أن تخترق جذوره ما هو محبّب في أعماق النّاس. يجب أن يتذوّقه النّاس ويولعون به. يجب أن يوحّد عواطف وأفكار وإرادة هؤلاء النّاس ويحفّزها>>..

فالمجموعة الشعريّة “امرأة من نار”، هي تصوّر لما يجب أن يكون، لا لما هو كائن. وإن كان احتمال الوجود المغاير لا ينبني إلاّ بعلاقة بما هو كائن، سواء بتهديمه تماما أو بترميمه وإصلاحه. فكلّ نصوص المجموعة تنبني على ثنائيّة التّناقض بين الموجود المرفوض وبين المنشود بعيد المنال. ويبدو أنّ الشاعرة لا ترضى بالتّرميم وجبر المثلوم، بل هي تدعو إلى ثورة تهدّ ثوابت القناعات والموروث السّائد. تبيد عروش الرّجال النائمين على قناعاتهم المريحة، هذه العروش المقامة على هياكل أجساد النساء. وغاية الشّاعرة هي استعادة النّساء لأجسادهن، بسحبها من هندسة صروح الرّجال.

هي تكشف عن الوضع الدّوني للمرأة والقهر الذي سبّبه لها التّاريخ ومارسه عليها الرّجل، وتبيّن أوجاع الأنوثة التي تعانيها المرأة وواقعها الذي يجعلها تحتقر ذاتها كإنسان، ويجرّدها من أحاسيسها ومشاعرها وقيمها. ولعلّ الشّاعرة تريد من خلال تجربتها الشّعرية، أن توحي إلينا بأنّ تجارب جميع النّساء مع الرّجل هي واحدة. فهي دائما تحتلّ الوضع الدّوني وخاضعة لسيطرة الرّجل. هذا الأنانيّ المتعالي الذي لا يرى فيها سوى الجسد ويعتبرها وعاء لتلبية شهواته وإشباع نزواته. لا يهتمّ بأحاسيسها وشخصيتها، يحتقرها كمتاع ويتعامل معها بكبرياء وأحيانا يجلّ سيجارته أكثر منها. فهو شهريار الذي لا ينظر إليها إلاّ كأنثى الشّهوة، وتظلّ هي تعيش على الخوف من قصاصه، يحاصر عمرها السيّاف والجلاّد والبيت القبر. كما أنّها لم تكن عبر التاريخ العربي سوى الجارية والعذراء الملزمة بالعذريّة، ينتظر الرّجل نضجها لافتضاض بكارتها.. وهي السّبية منزوعة الإرادة وفاقدة الحرّية، تكمن قيمتها الوحيدة في فتنة جسدها، حينما يتلهّى به الرجل ويستكمل فيه لذّته.

وهذا ما جعل ردّ فعل الشّاعرة يبلغ درجة المغالاة أحيانا، لتسقط في موقف التوجّه النّسوي المتطرّف.

تسيطر هذه النّظرة على جلّ أشعار المجموعة، غير أنّ الشّاعرة، بعد أن تعلن رفضها للرّجل بصورة جليّة، في قصائد كـ “شهرزاد الجديدة” و “زقّ الخمر”، فإنّها تعود في قصيد “رهان” لتعلن البحث عنه من جديد، وتكشف عن مشاعرها التي تلتهب عاطفة وهي تتوق إلى الرّجل المناسب الذي يغذّي روحها ويذكي نار شوقها، حيث تقول:

أقبّل سجائره

أشرب كأسه

ومن أقداح شفتيه ومن القمر

…..

حتى تقول:

أعلن أنّي جولييت

وأنّي عشتار من ألف عام

أهوى من يهوى القمم

ومن يتسلّق جيدي على مهل

من؟..

من يتسلّق؟

من يتجشّم هذا الخطر؟..

من يهزم كبريائي

من يحطّم إبائي

من يطيح بعليائي

ويصول ويجول

ويقول هذه أنثى الزّمن..

وهو ما يجعل الشّاعرة تعود بنا إلى التّعبير عن تلك النّظرة الاجتماعية التقليديّة، حيث يتركّز اهتمام المرأة على الرجل القويّ الذي يطيح بعليائها ويخضعها لسيطرته. وإن كانت هذه ليست هي السّمة البارزة في المجموعة التي ترمز في أغلبها إلى صراع المرأة مع الواقع وما تعانيه من وضعها الدّوني.

         استطاعت الشّاعرة، بأسلوب بارع ومؤثر، الكشف عن إلمامها بالمعاناة الدّاخلية للمرأة، وتعرض لنا مواقف دراميّة في شكل مونولوج يتكرّر في عديد القصائد، يبرز صراع الذّات مع الذّات، ويخرج صدى الصّراخ المكبوت الذي يتردّد في عمق الأحاسيس، معبّرا عن انكسارات الروح وتوتّر الشّخصية.. وفي تمازج بين تجربتها وتجربة المرأة عموما، تظهر ذلك التمزّق الذي تعيشه بين الحاضر والذّكرى، ممّا يجعل ذاتها تعاني من الحضور والغياب، وهي بذلك ترسم أبعادا تراجيديّة لواقع تعيشه المرأة مأسوي، مثقل بالهموم.

حيث تقول في قصيدها “امرأة من نار”:

يا امرأة من نار

اُخرجي من ظلّي

ظلّي يترشّف فوق ظلّي قهوته

ينادم رفقته

يجالس أحبّته

يغازل في قبو قطّته الحزينة

ظلّي يتجمّل

يتبرّج

يتعطّر

يضاجع قوارير الخديعة

ظلّي يضحك

ظلّي يبكي

ظلّي يصرخ

ظلّي يصمت

ظلّي تاه عن ظلّي

جلدي تاه عن جلدي

اسمي تاه عن اسمي

ولا شيء غيرك يا أمسي

ردّ لي يا أمسي يومي

ردّ لي ظلّي

جلدي

واسمي

ردّ لي ما ضاع منّي…

 

         المرأة وعالم المرأة هو المحور الأساسي الذي تدور حوله المجموعة الشعريّة “امرأة من نار”، لكنّ الشّاعرة لم تهمل التطرّق إلى مواضيع ومضامين أخرى كقيم الحبّ والحرية والبلاد (الوطن)، إلى جانب مساءلة التاريخ وتعطّل العقل وجمود الفكر العربي إلخ.. ولا يتّسع المجال هنا لذكرها كلّها وتناولها بالتحليل.

 

خاتمة

تعدّ التجربة الشّعرية عند فضيلة مسعي، من خلال مجموعتها “امرأة من نار” جدّية ومجدّدة، فلم تجتر فيها الشّاعرة الصّور والتّعابير اللّغوية للسّائد من الشّعر. كما حقّقت بها تميّزا وتفرّدا ينبعان من شخصية شعرية لا تتماهى مع المتعارف عليه. فلا يوجد في شعرها مبتذل أو ركيك أو باهت. بالإضافة إلى أن أسلوبها يتّسم بخصوصية اللّغة والمضمون والمفهوم التجديدي في الشّعر. ويكوّن البناء والتّجربة عندها، جدلية متماسكة، تنأى عن الساذج والمتهافت. ممّا جعل العملية الإبداعية عند الشّاعرة معبّرة، لا تخلو من عمق واتّساع معنى.

 

 

الارتباطات المرجعيّة:

  • الأحمداني حميد– القراءة وتوليد الدّلالة:<<تغيير عاداتنا في قراءة النّصّ>>، الفصل الأول، مدخل عام- المركز الثقافي العربي، المغرب.
  • حسن جميل- <<حول قضايا الشّعر المعاصر>>، مجلة الآداب عدد 2، السنة 11- فيفري 1963
  • بوهلال الفاتح الجيلالي- <<رموز الحركة الشّعرية بالمغرب>>، مجلة “عالم الفكر” الفصلية عدد 2، المجلد 30، أكتوبر- ديسمبر 2001.المجلس الوطني للثّقافة والفنون والآداب – الكويت
  • د.نور سلمان- <<مدخل إلى دراسة الشّعر الرّمزي في الأدب الحديث>>، مجلة آفاق عربية- السنة الثامنة، أفريل 1983 .
  • المصدر السابق
  • عبّاس محمود جابر- “مجلّة الأصوات ومرآة الفتوحات”. (حول قصيدة القناع وتقنيّة القناع واستعمالها في مضمون القصيدة). <<مجلّة عالم الفكر- العدد2- المجلّد30- أكتوبر، ديسمبر 2001>>.
  • بيرسي بيش شيلّي(4أوت1792 – 8 جويلية 1882). شاعر إنجليزي رومنسي ، يعتبر واحداً من أفضل الشّعراء الغنائيين باللّغة الإنجليزية. يُعرف بقصائده القصيرة <<أوزيماندياس>>. منها أغنية للرّيح الغربية، إلى قبّرة إلخ.. ومع ذلك فإن أعماله الهامّة تتضمّن قصائده الرّؤيوية الطّويلة: ألاستور أو روح العزلة، ثورة الإسلام، أدوناي، بروميثيوس طليقاً، وعمله غير المنتهي انتصار الحياة.

حياة شيلّي غير العادية وتفاؤله العنيد وصوته القوي المعترض، كلّها عوامل ساهمت في جعله شخصية مؤثّرة وعرّضته للتّشويه، خلال حياته وحتّى بعد مماته.

صار شيلّي أيقونة للجيلين الشّعريين الذين تلياه، ومن ضمن المتأثرين به الشعراء الفيكتوريون من الحركة ما قبل الرافايلييه: روبرت براوننغ، ألفرد لورد تينيسون، دانتي غابرييل روسيتي، ألغرنون تشارلز سوينبرن، كما تأثر به لورد بايرون وويليام بتلر ييتس وهنري ديفد ثورو، وشعراء من لغات أخرى مثل يان كاسبرويك وجيبانانادا داس وسوبرامانيا باراثي.

أُعجب به كارل ماركس وهنري ستيفنز سولت وبرتراند رسل وأوبتون سنكلير. كما اشتهر بصحبته لكل من جون كيتس ولورد بايرون. كانت الروائية ماري شيلّي زوجته الثانية.

  • پرومثيوسأحد عظماء الآلهة في الميثولوجيا الإغريقية، وكان محبباً بينهم، حتّى أوكل إليه زيوس كبير الآلهة، مهمّة خلق الكائنات الأرضية، فخلق الحيوانات كلّها وأضفى عليها مميّزاتها وخصائصها. أمّا حينما بلغ خلق الإنسان، لم يجد له صفة غير الشّبه بالآلهة، فخلقه على هيئتها، ممّا أحنق بقيّة الآلهة عليه..

كان برومثيوس محبّا للبشر رؤوفاً بهم. فلمّا حرمتهم الآلهة من النّار لتفريط برومثيوس في حقّها بالتفرّد بخصائصها، قام هو  بسرقة النّار من الآلهة ووهبها إليهم. هذا علاوة على أنّه أثار نقمة زيوس كبير الآلهة عليه، حينما طلب منه تقسيم أضاحي القرابين وتوزيعها، فقدّم للبشر كلّ اللّحم وخصّ الآلهة بالشّحم ورائحة الشّواء فقط.

عاقبه زيوس بأن ربطه إلى صخرة، ثم أطلق عليه نسرا اسمه “إثون”، يأكل كبده باستمرار، ليعيد زيوس تجديد جسده واستعادته إلى الحياة في كلّ مرّة.. كابد برومثيوس كلّ هذا العذاب والأوجاع بسبب انحيازه إلى البشر، حتّى حرّره هيراكليس  وأعاده إلى أوليمبوس.. يعتبر الإغريق قيامه بتقديم النّار للبشر، كدليل على كونه من المساهمين في الحضارة الإنسانية.

في التّقليد الكلاسيكي الغربي، صار پرومثيوس الشخصيّة المعبّرة عن الكفاح البشري، لا سيّما فيما يخصّ البحث عن المعرفة العلميّة، وخطر التجاوز والتحدّي أو تحمّل عواقب الفعل غير المقصود، في الفترة الرّومانسية بشكل خاص. كما هو يجسّد العبقرية الوحيدة التي يمكن لجهود تحسين ظروف الوجود البشري، أن تؤدي إلى مأساة أيضا.

spot_imgspot_img