
بقلم الشاعر: هادي دانيال
استأنفت دار الشنفرى للنشر في تونس نشاطَها الذي كان آخره إصداراته ترجمة إلى اللغة العربية عن الأصل الفرنسي لمجموعة “الطفل الجاز” للشاعر والروائي الجزائري محمد ديب، في شهر جويلية من العام المنصرم2024. ودار الشنفرى على الرغم من الخيبات على مستوى الإقبال على الشعر، ترفضُ نبذه المُسْتَفِزّ في سوق الكتاب التجارية، وتراهن مرّة أخرى على الشِّعْر أوّلا في استئناف نشاطها كمشروع ثقافي نحرص على أن لا يُوأد.
وتجلّى هذا الرّهان بإصدار ثلاث مجموعات شِعريّة باللغة العربية لشاعرين تونسيين وثالِث مُقيم في تونس، هُم: أسامة حمري، محمّد شوشان، وهادي دانيال.
“غابةٌ ترتدي الثلج” لأسامة حمري
من مجموعة شعريّة إلى أخرى يحرص الشاعر التونسي “أسامة حمري” على إدهاشنا بتجاوز نفسه باضطراد وهدوء في آن. هو لا ينافس أحدا من سابقيه أو مُجايليه لكنه يصنع قاربه الخاص الذي يريده متيناً لاعتلاء موج الشعر في هَيَجانه وتأمّل أعماقه حين يهدأ. هذا ما تشفّ عنه مجموعته الثالثة “غابة ترتدي الثلج” التي صدرت حديثاً عن دار الشنفرى للنشر في تونس. كلّ قصيدة من هذه المجموعة تقدّم نفسها في إهاب إيقاعي يتلألأ بالرؤى والاقتراحات الجمالية اللافتة. هذا الصوت الذي بدأ نحيلا كسهام ضوئية سرعان ما أشرق شُهُباً تلمع وتنطفئ في مجموعته الثانية “اصمت لأراك” لكنه في “غابة ترتدي الثلج” يُعلّق قمراً من المفاتيح السحرية لإضاءة دروب الغابة وإذابة ثلجها عن عشب الروح المزهر.
بين ذات الشاعر المترعة حزناً وعالمِه/عالمِنا المُسَرْبَلِ بأسئلة الوجود وقلق الكائنات تتشكل قصائد هذه المجموعة متمردة على النمط ولكن في الوقت نفسه حريصة على بناء جمالها باكتساب مهارات في سياق تجريبيّ حَذِر من الوقوع في فوضى جاهلة كما هو حال تسونامي الكتابات التي تنسب نفسها إلى الشعر تَنَطُّعاً.

هذا كله يلحظه القارئ في 64صفحة، قياس 12/21سم، ضمّت أربع عشرة قصيدة في أرخبيل شعري من ثلاث جزر، الأولى بعنوان “الماء المسافر”، والثانية سمّاها “الأشياء تفكّر” والثالثة “موت يخاف أن يموت”. وتمّ تثمين النسخة الواحدة على الغلاف ب 11د.ت.
يُذكَر أنّ دار الشنفرى كانت قد أصدرت للشاعر أسامة حمري مجموعته الثانية “اصمت لأراك” سنة2024، بينما صدرت مجموعته الأولى عن دار نشر تونسيّة أيضاً سنة2023.
“عَرَقٌ الأرض” لمحمّد شوشان
الشاعر الهادئ في سلوكه وعلاقاته ينطوى على صَخَبٍ إبداعيّ انطِواءَ الصَّدَفِ على اللآلئ، يتفتّحُ نصّه بأزهار الأحاسيس والرؤى وَبِقَدْرِ ما يغوص في أعماق ذاته المُبْدِعة وتموّجاتها، الظاهر منها والخفيّ، يضع هذه الذات والرؤى والأحاسيس في مواجهة معاناة الآخَر في تونس أوخارج حدودها (في فلسطين وغزّة خاصّة) مُخْضِعاً هذه الثنائيّة الحاضرة عند كلّ شاعر أصيل غير زائف ، ثنائيّة الذات-العالَم، لاختبار إنسانيّ استثنائيّ في لحظة استثنائيّة، بدون الوقوع في تقريريّة تُشَوِّشُ على شِعْرِيّةِ النصّ.
هذا هو أحَد ملامِح الشاعر التونسي “محمّد شوشان” الواضحة بقوّة في مجموعته الشعريّة الجديدة “عَرَق الأرض، دَمْعُ الكادِحِين حين ينسابُ عُنْوَةً” الصادرة اليوم عن دار الشنفرى للنشر في تونس، والتي كانت مجموعته الأولى “هالْدُول أوجُرْعات الهَذيَان” قد شَفَّت عنها كما بَشّرَت بموهبة شاعر مُرْهَف، يحرص على أن يكون نصّه الشعريّ حارّاً وأنيقاً في آنٍ مَعاً،

ومُعْتَدّاً بامتلاك مهارات أسلوبيّة مرجعيّتها مدوّنة قصيدة النثر العربية وقاموس ثريّ يغرف من بحر لغتنا العربيّة، بمَعنى أنّه في مخابر عزلته في الحنوب التونسيّ البعيد عن ضوضاء العاصمة، صَقلَ آليات الإبداع لديه وشحذها للتعبير الجمالي الخاصّ عن تجربة حياتيّة خاصّة . هذه المجموعة “عَرَق الأرض” هي الثانية للشاعر “محمد شوشان” بعد مجموعته الأولى “هالدول أو جرعات الهذيان” التي صدرت سنة2019 في تونس أيضاً عن دار ديار للنشر.
تألّقت مجموعة “عَرَق الأرض” برسوم داخليّة رافقت بعض قصائدها للفنان السوري “رامي شعبو”. وضمّت بعد تنويهين وتصدير، عشرين قصيدة في أرخبيل شِعريّ مِن ثلاث جُزُر، الأولى بعنوان “إيماءات”، والثانية “حدائق خلفيّة، مَخْدَع لأحبابي الغَرْقى”، والثالثة “نصوص متفرّقة”.
وقعت هذه المجموعة من قصائد محمّد شوشان في 172صفحة، قياس 12/21سم، وتمّ تثمين النسخة الواحدة على الغلاف ب 20دينارا تونسيّاً.
“بِلادٌ كأرمَلَةٍ حَلّت الحرْبُ إزارها” لِهادي دانيال
“بِلادٌ كأرْمَلَةٍ حَلَّت الحَربُ إزارَها” مجموعة شعريّة لهادي دانيال صَدرتْ اليوم عن دار الشنفرى للنشر في تونس، بغلاف للفنّان السوري “رامي شعبو”. وهذه المجموعة هي الثامنة والعشرون لهادي دانيال، بعد سبع وعشرين مجموعة سبق وأن صدرت في مُجلّدين، الأوّل “الأعمال الشعرية 1973-2003” صدر عن دار صامد للنشر بتونس سنة 2006، وضمّ أوّل 12 مجموعة شعرية، والمجلد الثاني “الأعمال الشعرية2002-2022” الذي ضمّ الخمس عشرة مجموعة الأخيرة، صدر سنة 2024عن دار الشنفرى للنشر بتونس أيضاً .
مجموعة “بلادٌ كأرملةٍ حلّت الحربُ إزارَها” ضمّت 29قصيدة هي القصائد التي كتبها هادي دانيال سنتيّ 2023و2024وأوائل سنة2025.

بهذه القصائد يواصل هادي دانيال صراخَ الأخرس البليغ في عالمٍ أصمّ، ويُلاحِظُ المنطقة و العالَم، الراهنَ والآتي، بِحَدْسِ الشاعرِ الذي يَرى، وبِرُؤيَتِهِ، وبإحساسِ ابْنِ الشَّعْبِ في عزلتِهِ، وببصيرة المثقّف النّقديّ الخارج على قطيعيّةِ الدّهماء وتقنيي المعرفة. يروي ويسأل ويتساءل ويصرخ ويهمس ويُغنّي مُثلّث الجراح المفتوحة على بعضها البعض منذ الأزل، الجراح الشآميّة الإنسانيّة النازفة أبداً (فلسطين ولبنان وسوريا)، وبين هذه الجراحات التي تحتشد لأجْلها كَمَنْجاتُ الشاعر قد يُراقص بيانو وردةً مغناجاً على شُرُفات القلب الذي ما فتئت حَصى العشق ترشق زجاج نوافذِه المُوصَدَة.
كما يواصل بقصائد هذه المجموعة محاولة كَسْرَ القوالب الجمالية التي قد تًحَنّط صَوتَه في النمط.
تقع “بلادٌ كأرملةٍ حَلّت الحربُ إزارَها” في 172صفحة، قياس12/21سم، ومن عناوين قصائدها: هوىً جديد لشراع الجسد، بعد كأسٍ مِن رضاب الجنّ، أوابدُ سنجار، مقاماتُ جنين، على مشارف “أوغاريت” الجديدة، ذئابُ السماء غيوم يابسة، رحيق برعُم على غُصن يابس، قصيدة المدينتين، على درّاجة هوائيّة إلى ما وراء الغيم، معابر شمشون، موسيقى الحجرة، نشيد الأنقاض، رشقة من أشلاء “ديمترياس” على وجه العالم، حافر الشر، قنديل الليالي الطويلة…إلخ.
وبعض هذه القصائد مُهدى إلى “خربشات” الفنان أحمد زعرور، ونبيّ العقل الشاعر أبي العلاء المعرّي، وروح أخي المناضل هشام مصطفى.
هذه المجموعة تَمّ تثمينها على ظهر الغلاف ب20 ديناراً تونسياً أيضاً.
والمجموعات الثلاث تألّقت بأغلفة أنيقة صمّمَها الفنّان السوري “رامي شَعْبو”. وهي الآن تعتلي رفوف مكتبة “الكتاب” – شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة التونسية ومكتبة “بوسلامة” بباب بحر وسط العاصمة التونسية أيضاً، ولا حقا تتوافر في مكتبات مدن أخرى فضلا عن رفوف جناح دار الشنفرى بمعرض تونس الدولي للكتاب بالكرم أواخر أفريل القادم وبحضور الشعراء. كما ستكون متوافرة في نظام الPDF على منصة clik2read الألكترونية بوابة دار الشنفرى.