تودّع تونس اليوم أحد رواد الكلمة، أحد رواد صحافتها وأحد رواد مثقفيها الذين أفنوا أكثر من خمسين سنة في ترسّم آثار الثقافة والفكر والأدب، أكثر من خمسين سنة ظلّل فيها الامبراطور أحمد حاذق العرف على براعم شتى في المجال الثقافي ومنحهم فرصة النشر واكتساب الخبرة في المنابر الإعلامية التي أشرف عليها، وهو الذي خاض تجارب في صحف مختلفة من أهمها تجربته في رئاسة تحرير جريدة الشعب لسان الاتحاد العام التونسي للشغل وملحقها الثقافي منارات.
أضاء أحمد حاذق العرف “منارات” بحرفه وبالأسماء التي التفت حول التجربة الجديدة، ودعّمها بالفرص التي منحها لشبّان استووا في ما بعد أقلاما لها وزنها في الساحة الثقافية. ومثّلت لهم تلك الفرص التي وفرها لهم العرف علامة فارقة في مسيرتهم.
لم يكن الامبراطور، ذاك الذي يحتكر المنبر ليغطّي عن غيره، كان واثق الخطو، عارفا بواقع الساحة الثقافية، مجربا لأشكالها الفنية والإبداعية، حاذقا متواضعا، مدافعا شرسا عن الإبداع والتجريب في الأدب وعن حركة “الطليعة” الرائدة حينها، صفات جمعت في رجل فأجمعت الساحة الثقافية عن تقديره واحترامه، فلم يذكر حاذق العرف إلاّ والامبراطور صفة ملازمة له. ولم يذكر حاذق العرف إلاّ وذكرت صفات النباهة وسرعة البديهة والفكاهة والصرامة في الدفاع عن الأدب التونسي في الآن نفسه.
تودّع تونس، وتودّع جريدة الشعب، وتودّع “منارات” الملجق الثقافي لجريدة الشّعب، اليوم، المؤسّس، وصاحب كتاب “المسرح التونسي وعوائق التجاوز” وهو الجزء الأوّل من ثلاثية أعماله الكاملة، الامبراطور أحمد حاذق العرف، تودّعه بحسرة الفقد الموجعة، وتدعو له بالرحمة والمغفرة وإنّا لله وإنا إليه راجعون.
أسرة منارات